-A +A
طلال صالح بنان
الدولة، خارج نطاق سيادتها الإقليمية، تتصرف في محيط سياستها الخارجية بمنطق يفوق، أحياناً، اهتماماتها الأمنية ورعاية مصالحها الخارجية. الدولة، أي دولة، تنظر إلى محيطها الخارجي كمَصْدَرٍ للثروةِ والنفوذ وإمكانات التوسع... بل وأحياناً، للهيمنةِ الإقليميةِ والدولية.

أكثرُ ما يهددُ استقرارَ البيئةِ الخارجيةِ للنظامِ الدولي، تفاوتُ القوةِ بين أعضائِه، التي أحياناً ما تغريهم للاستفادةِ من فراغِ القانونِ والنظامِ، إقليمياً ودولياً، للحصولِ على أكبرِ قدرٍ من المواردِ المتاحةِ والمحتملةِ في المحيطِ الخارجي، على حسابِ مصالح الأطرافِ الدوليةِ الأخرى، لدرجةِ – أحياناً - المخاطرةِ بأمنِ الدولةِ، ذاتِها.


عندما تصلُ الدولةُ، إلى مستوى متقدمٍ من الثقةِ في ثروتِها واقتصادِها.. وقوتِها العسكرية.. ونفوذِها الإقليمي.. واستقرارها الداخلي.. ومكانتها الدولية، فإنها تتجاوز متطلبات أمنها ورعاية مصالحها الخارجية المشروعة، لتطويرِ اقترابٍ أكثرَ هجوميةٍ، بل أحياناً أشدَ عدائيةٍ تجاهَ جيرانِها الإقليميين، بل وحتى منافسِيها البعيدين، للحصولِ على نصيبٍ أكبرَ من مواردِ البيئةِ الخارجية. عندها تبدأُ الدولةُ البحثَ عن مزيدٍ من المواردِ الطبيعية.. والأسواقِ الخارجية.. والنفوذِ وحتى التوسعِ الإقليمي، بل في حالةِ القوى الكبرى، التطلع للهيمنة الكونية.

هذا ما يُشار إليه بفائضِ القوةِ. فائضُ القوةِ هذا، هو السبب الرئيس وراء عدم الاستقرار الإقليمي والدولي. الحروبُ العظمى نشبت بسببِ فائض القوة، حيث دفع بعضَ أطرافِ النظامِ الدوليِ الكبرى، نتيجةً لاختلالِ ميزانِ القوى بينها، للمجازفةِ بالدخول في الحربِ، طمعاً في موارد مسرح السياسة الدولية، شبه الفوضوي.

فائضُ القوةِ هذا، هو الذي دفعَ دولَ المحورِ، لخوضِ الحربين العظميين، ووراءَ تدخلِ الولايات المتحدة لحسمِهما. فائضُ القوةِ هذا، حتى في ظلِ توازنِ الرعبِ النووي، أثناءَ الحربِ الباردة، هو الذي دفعَ الاتحادَ السوفيتي ليُحْكِمَ سيطرته على شرقِ أورُوبا.. ويوسع نفوذه، لداخل المجال الحيوي في الغرب، ما وراء الجدار الحديدي، في آسيا وأفريقيا، حتى وصل إلى العالم الجديد، كما حدث في حالة كوبا.. وأخيراً تورطه في أفغانستان (1979 - 1989).

الولايات المتحدة مرت بحالةِ الشعورِ بفائضِ القوةِ هذا، بعدَ الحربِ العالميةِ الثانية. حينها أعادت واشنطن بناءَ غرب أوروبا.. وتكفلتْ ببناءِ حلف شمالِ الأطلسي.. وتورطت عسكرياً في كوريا وفيتنام والهند الصينية، وكادت تدخل في حربٍ نوويةٍ مع الاتحادِ السوفيتي، بسببِ أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا، أكتوبر 1962.

إقليمياً: حدثَ هذا التطور، أيضاً. إسرائيلُ، كان شعورها بفائضِ القوةِ وراء عدوانها على العرب، بما يفوق احتياجاتها الأمنية. شعور إيران بفائضِ القوة وراءَ مغامراتها، بعد الثورة، للتوسع في المنطقة العربية. صدام حسين، حتى بعد فشل حملته العسكرية على إيران (1980 - 1988)، شعر بفائضِ قوةٍ دفعه، لغزوِ الكويت، أغسطس 1992.

هذه الأيام: تركيا، تعيشُ حالةَ فائض القوة، لتتواجد في شمالِ سوريا.. وتَعْبُرَ المتوسط، لتُجَرِبَ حظها في ليبيا!

فائضُ القوةِ، متغيرٌ أساس وراء عدم الاستقرارِ الإقليميِ والدولي... وفي معظمِ الأحيان، يكون خادعاً.. ويُبنى على أخطاءٍ فادحةٍ في الحسابات، تكون نتيجتها، في معظم الحالاتِ، كارثية.