-A +A
محمد الساعد
ليس هناك أسهل من تبني النموذج الإيراني الذي يهيم به اليسار الغربي وديموقراطيو أوروبا وأمريكا، نموذج سهل غير مكلف، فقط عليك أن تقوم بتحويل إذاعتك وتلفزيونك الوطني إلى أبواق للدعاية، وبدلا من الاستثمار لصالح شعبك والعالم، وجه ثروات بلادك للتسلح وتمويل واحتضان عصابات الإرهاب حول العالم، وبدلا من أن تتحالف مع الدول المتمدنة والمتقدمة، تحالف مع كوريا الشمالية وقطر والقاعدة وداعش.

يجب أن لا ننسى أن النظام الإيراني المارق الذي مكنه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من الحصول على السلاح النووي ومئات المليارات من الدولارات، يدافع عنه اليوم سياسيون نافذون في الكونجرس، وتتبنى وجهة نظره صحافة يسارية، ويمرر أجندته حكومات وبرلمانيون أوروبيون.


النموذج الإيراني الإرهابي هو من يضع حياة البشرية في آخر عربات القطار ويقدس الموت ويسعى وراء القنبلة النووية بدلا من لقمة عيش لأبنائه الجياع، وهو من يقدم صناعة السلاح على زراعة الأرض وبناء المستشفيات ونشر المدارس والجامعات.

من السهل جدا أن تتحول الرياض إلى طهران أخرى وأن تملأ شوارعها بصور الإرهابيين والمسيرات الثورية بدلا من بناء الإنسان، من السهل أن نقيم المؤتمرات والمحاضرات التي تدعو إلى قتل الأمريكان والأوروبيين بدلا من المؤتمرات العلمية والمحاضرات الثقافية، من السهل أن نبني معسكرات لتدريب الأطفال على حمل السلاح ونغذيهم بكراهية الإنسان الأمريكي ونشجعهم على استباحة دم الأوروبي كما فعلت طهران والقاعدة وداعش، بدلا من حملهم الكتب المدرسية وتعليمهم الفنون والرسم.

من السهل أن تقوم الحكومة السعودية بتحويل جامعاتها إلى كليات لتصدير الثوريين الناقمين على العالم، وأن تستبدل علوم الفيزياء والطب والفلك والطاقة بـ كيف تصنع قنبلة، وكيف تبني خلية إرهابية، وكيف تفجر في شوارع نيويورك.

من السهل جدا أن تتحول قنوات (mbc) السعودية التي يتابعها أكثر من 500 مليون مشاهد، ويتداول برامجها أكثر من مليار متابع، إلى قنوات للتعبئة تملأ عقول الناس بالكراهية والحقد ضد كل ما هو غربي، كما تفعل قنوات العالم الإيرانية والجزيرة القطرية والأناضول التركية.

يمكن للرياض أن تتبنى جنرالا مثل «قاسم سليماني» يتجول في أرجاء العالم العربي حاملا معه الموت والدمار ويخطط لتفجير السفارات والمواقع الأمريكية كما فعل في بيروت والخبر والرياض، ويبني شبكات تهريب المخدرات والسلاح حول العالم.

على اليسار الغربي أن لا يدفع السعوديين لخيارات صعبة تقلب الطاولة في وجوههم قبل أن تنال من حياتنا وحريتنا، فإذا أرادها الغرب معركة وجود، فلا أسهل من تبني الخيارات التي تحمي حياتك وحياة أبنائك.

السعوديون يخدمون مكة والمدينة وهما أغلى ما يملكون، ومحاولة إشعال الفوضى في بلادهم، هي كمن يشعل النار في أستار الكعبة، ومن يهددهم فهو يهدد مكانة الحرمين الشريفين والإسلام الذي يتبعه أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم، بينهم مليار سني من السهل أن يتحولوا في غمضة عين وبخطبة واحدة إلى أعداء للحضارة الغربية.

لكن السعودية كانت وما زالت دولة عاقلة لم تستخدم مكانتها الإسلامية للمزايدة وابتزاز الغرب، ولم تحول مقدساتها إلى منابر لمهاجمة الغربيين وأسلوب حياتهم، كما يفعل الإيرانيون ليل نهار.

هناك نموذجان في الشرق الأوسط، النموذج الإرهابي الذي لا يقيم للأرواح مكانة تمثله طهران التي قتلت الأمريكان بالعمليات الإرهابية في بيروت وبغداد وسوريا والخليج العربي، وهناك نموذج آخر يعلي الحياة الإنسانية ويسعى للتقدم والتطور وبنى اقتصاده على النموذج الغربي وساهم بفاعلية في تحسين حياة العالم، وابتعث أكثر من مئتي ألف طالب من أبنائه للتعلم في الجامعات الغربية والأمريكية لكي ينقلوا أحسن ما في الغرب إلى بلادهم.

ليس صعبا أن نقف في مواجهة «الصليبية اليسارية»، والدولة السعودية لم تتسبب في قتل مواطن غربي واحد، بل إن عشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت أوروبا وأمريكا أجهضتها الرياض بمعلومات أمنية وقدمتها بالمجان للغرب، إنها الحقيقة التي يقفز عليها الفاشيون من الليبراليين واليساريين الجدد.

حتى تركيا التي كانت -قبل تسلق حزب أردوغان السلطة- قريبة جدا من أن تكون إحدى دول الاتحاد الأوروبي، استبدلت خيارها الأوروبي، واتجهت نحو الشكل الإيراني الذي يحبه الغربيون، وها هي اليوم مدللة في أحضان الغرب يتجاوز عن خطاياها وجرائمها كما هو مع الإيرانيين.

على الغرب اليساري بشقيه الأوروبي والأمريكي أن يكون شديد الوضوح في النموذج الذي يريد أن يتعايش معه في العقود القادمة، نموذج طهران بالدماء والتخريب والفاشية التي يرسلها للعالم، أم نموذج الرياض المتنور المتقدم الذي ساهم في استقرار الحياة على هذا الكوكب بإسلام معتدل متمدن، وإمدادات طاقة مستقرة ومستمرة وبأسعار معتدلة.

كاتب سعودي

massaaed@