-A +A
مشعل العقيل
الكثير من الأزمات تكون عرضة للتلاعب بها واستغلالها بمحاولة تصعيدها في غير مسارها وإلقاء المزيد من الحطب لإشعالها وتصويرها بما ليس منها تحت ذريعة نصرة المظلوم ومصلحة المجتمع، والواقع في الكثير من الأحيان يكون مختلفا تماما، فنجد هنالك من يسعى من خلالها لتحقيق أهداف شخصية أو لاستغلالها لأهداف معينة أو الاستفادة منها لجهات أخرى أو خارجية، فيتساقط الكثير من الضحايا ويتضرر العديد من السكان.

الظلم من أكثر المشاعر المزعجة لصاحبها وكثيرا ما يتعدى الأثر ليشمل الكثير ممن يشاهده، ويزداد التأثر بمشاهد الظلم من تعرض له في سنوات حياته فيصبح ذلك الموقف مثيرا ومرتبطا بمشاعر مواقف سابقة وقع عليه الظلم فيها، وربما لا يكون واعيا بهذا الارتباط، وفي كثير من الأحيان يتحول التعاطف مع المظلوم إلى شحنة هائلة من الغضب التي تصل إلى العنف لنصرته، فيجد البعض نفسه متعاطفا لدرجة يتخطى فيها الأنظمة ويثير الشغب وذلك لنصرة مظلوم، فينفس باللاوعي من خلالها مشاعر ظلم سابق اضطر إلى كبتها بسبب قلة الحيلة، ولذلك نرى من يحاول التسويق لنشر الغضب بالتركيز على تلك المشاعر لتجنيد الكثير.


لن نجد مكانا في العالم يخلو من التجاوزات الفردية التي يسيء فيها الشخص إلى النظام، وسيصبح النظام شريكا إذا لم يقف بحزم تجاه تلك السلوكيات الفردية وهؤلاء الأشخاص، فالقضايا الاجتماعية تذوب بالدفاع الخاطئ وتضيع بالسلوكيات المندفعة، وبالتالي للقضاء على عنصرية أو تمييز أو ظلم ينبغي أن يتم نصرتها بتسليط الأضواء عليها والتركيز على المشكلة وعلى المواقف التي تجسدها بدلا من سرقتها لدوافع أخرى وإلى سرقة ما تخلفه من غنائم، فتصبح مجموعة جرائم بدلا من استغلال الفرصة لتعديلها وتقويمها، فقد رأينا مع بعض هذه القضايا الحرق وسرقة السيارات والمحلات التجارية والمواد الغذائية، ولم نجد رابطا بين هذا السلوك والقضية الحقيقية سوى أشخاص يرغبون في استمرارها واتساع رقعتها لكي يمارسوا السلب والنهب في أمان انشغال النظام.

لاحظ الكثير في قضية الشرطي الأمريكي والضحية جورج فلويد انتشار صور المقارنة مع صور من رجال أمننا، وتلك المقارنات ظالمة لنا بغض النظر عن غيرنا، ولا أجد في نشر صور تلك المقارنات طريقة مناسبة للبرهنة على التميز وحجم الإنسانية لدى رجال أمننا، فمن أكبر مكاسب مملكتنا الحبيبة وأغلى ثرواتها هؤلاء الرجال ولا نحتاج إلى المقارنة لإثبات ذلك، فهذا يتضح جليا من خلال سلسلة مستمرة من المواقف في كل مناسبة ومع كل حدث بدءا من الخدمات التي يقدمونها لحجاج ومعتمري بيت الله وعلى مدار العام ومرورا بمحاربة الإرهاب وبأبطال الحد الجنوبي، وأخشى أن يظهر في يوم تصرف فردي وسلوك خاطئ من رجل أمن واحد -الذي سيقف النظام بشكل خاص والمجتمع بشكل عام ضده- فيتم تصويره وتعميمه ومقارنته بصور من دول أخرى، وهو ما نرفضه تماما لأنه لا يعكس واقع بطولاتهم وتضحياتهم.

كاتب سعودي

alaqeelme@