-A +A
حمود أبو طالب
منذ تمكن جائحة كورونا من العالم وهو يمارس ويعيش كل شيء عن بُعد، وأصبحت هذه العبارة الأكثر شيوعاً وتداولاً في الخطاب الإنساني بكل أشكاله، أصبحت شعار المرحلة الراهنة وربما عنوان الوقت القادم بعد كورونا، وكأن الزمن انقسم فعلاً إلى زمنين مختلفين تماماً، فهل يستطيع البشر فعلاً ممارسة كل شيء عن بُعد كخيار مستقبلي بعد أن كان ضرورة فرضتها الظروف الآن.

من الممكن أن يتحقق ذلك في أمور كثيرة كرغبة للإنسان في اختبار تفوقه العلمي والتقني وتوظيفه لتسيير أمور الحياة، قد يراه الشخص الاقتصادي والصناعي تسهيلاً لعمله وتوفيراً لميزانيته التشغيلية، قد يعتبره المنظرون تطبيقاً لما يعرف بالذكاء الاصطناعي أو الثورة العلمية الجديدة، فانتازيا لفظية لتوصيف تماهي الإنسان مع انفجار تقنيات الاتصال والتواصل والتخزين المعلوماتي الهائل، قد يثبت ذلك فائدته في بعض المجالات، ولكن هل يستطيع أن يكون بديلاً حقيقياً ممكناً وناجحاً للتواصل الإنساني المباشر.


يستحيل ذلك أن ينجح في كل شيء لأنه لا يمكن نزع الحضور الفعلي العملي للتواصل الإنساني من تعاملات الحياة، تأملوا فقط الحزن الظاهر والمبطن خلال مناسبة العيد كمثال، هل عوّض الحضور التقني المرئي بين الناس لتبادل التهنئة عن التوق الفطري للرؤية الحقيقية وتلامس المشاعر ورؤية الملامح الطبيعية دون فلترتها بشاشات أجهزة الاتصال. هل كان مقنعاً فعلاً أننا نعيش حياة طبيعية أو بديلاً يشبهها أو قريباً منها، هل استطاع الوسيط التقني أن يكون أميناً في التعبير عن مكنونات النفوس وتعبيراتها التي تنقلها الملامح وتشاهدها العيون مباشرة.

إن تكريس نظرية استطاعة العالم أن يعيش ويدار عن بُعد في كل شيء، فضلاً عن إلغائها لماهية الإنسانية، هي نظرية غير ممكنة التطبيق، وسوف يجد الإنسان نفسه ذات نقطة في محاولة تطبيقها تائهاً هامشياً يعيش على أنقاض إنسانيته.

كاتب سعودي