-A +A
حمود أبو طالب
تجربة لا يمكن أن تخطر في البال أو تمر في الخيال أن يكون العيد بهذا الحال الذي نحن فيه، حتى لو كنا اعتدنا مجبرين خلال الفترة الماضية على العزلة وحصار المنازل والعيش في مجتمع افتراضي، لا نرى فيه رأي العيان إلا الذين حولنا في دائرة الأسرة الصغيرة. كان ثمة أمل ينازع النفس البشرية بأنه رغم كل ما نعرفه ونتوقعه من استمرار أزمة الحصار ستأتي لحظة مفاجئة تبشر بإمكانية الخروج إلى فضاء الله في هذا اليوم على الأقل، إنه أمل الحرية الذي يتناسى حقائق العلم المجردة من العاطفة والمشاعر، لكنه في النهاية يصطدم بالواقع ويرضخ له.

كل ما تعيشه البشرية الآن هو إلى حد كبير جنايتها على نفسها، هو نتيجة الهوس الذي وصلت إليه. العبث بالطبيعة ومكوناتها وكائناتها لعبة خطيرة ومغامرة قاتلة لم يتنبه لها جيداً من استمرؤوا ممارستها، اعتقدوا أن بإمكانهم التحكم الكامل في طبيعة بعض المخلوقات ووضعها تحت سيطرتهم لأغراض مختلفة، لكن الغرور أنساهم أن هذه الكائنات الدقيقة اللامرئية لها جبروت لا يمكن تصوره إذا تمردت، وها هو فايروس لا أحد يراه يعلن هزيمته لمليارات البشر، بعلمهم ومختبراتهم وتقنيتهم ومالهم، ويجبرهم أن يكونوا تحت رحمته وطوع إرادته حتى تتدخل الإرادة الإلهية التي أوجدتنا وأوجدته.


إنه درس إلهي بليغ هذا الذي نمر به لكي يتذكر البشر حقيقتهم وحدود قدرتهم ويتنازلوا قليلاً عن غرورهم وغطرستهم وأطماعهم وحماقاتهم تجاه بعضهم البعض وتجاه هذا الكوكب الذي أوجدهم الله عليه ليعمروه بما ينفع ويسعد فإذا بهم يتفننون في تدميره وتعاسة إنسانه، ويتمادون في تجاوز المقبول والمعقول في المنافسة من أجل التفوق النافع إلى الصراع الشرس لأجل الخراب والرعب والفناء، واليوم يدفعون ثمناً قاتلاً لكل ما فعلوه، لكنهم أيضاً جعلوا كل البشرية يدفعونه معهم.

في كل الأحوال ستكون هناك نهاية لما يحدث، سوف تنتصر نزعة الإنسان الفطرية إلى الحرية والحركة والانطلاق على غريزة الخوف حتى من الموت، وسوف تتنزل رحمة الله بعباده عاجلاً أو آجلاً، لكن الأهم أن تتعظ البشرية وتتعلم وتراجع حساباتها فيما تفعله ضد نفسها..

كاتب سعودي