-A +A
عبداللطيف الضويحي
أخيرا فرضت وزارة التعليم نظام التعليم عن بعد أو التعليم الافتراضي، مضطرةً ومكرهةً، فأصبح التعليم «عن بعد» أو «التعليم الافتراضي» كليا وإجباريا في عرف وزارة التعليم، بعدما كان جزئيا واختياريا. ولماذا تأخرت وزارة التعليم بالاعتراف بهذا النظام التعليمي الافتراضي طالما أن البنية التحتية متوفرة وطالما أنها تتبنى المركز الوطني للتعليم الإلكتروني؟ أليس من الحكمة والإدارة الاستباقية الناجحة أن تختبر الوزارة نظامها التعليمي الافتراضي قبل جائحة كورونا، على سبيل التجربة، وهي الوزارة التي يفترض أن تكون رأس الحربة لما بات يعرف باقتصاد المعرفة؟

يبدو لي أن وزارة التعليم تقدم خطوة وتؤخر أخرى، في موضوع التعليم عن بعد، ليس بسبب نجاح أو فشل هذا النظام التعليمي الافتراضي، إنما نتيجة لصراع بين «مدرسة الخطوة الأولى» و«مدرسة الخطوة الأخرى»، ولولا زلزال كورونا في ظني، لما أقدمت الوزارة حتى على مغامرة التجربة بـ«التعليم عن بعد»، وإلا لماذا أوقفت الوزارة تجربة التعليم عن بعد مبكرا وقبل أن تنضج التجربة وقبل أن تؤتي أكلها وقبل أن تتمكن كافة أركان العملية التعليمية من تنضيج إمكاناتها واستنفاد كامل طاقاتها وصولا إلى نقطة الكفاية والتشبع التي عندها يمكن لجهاز تشخيص وتقييم وتقويم التعليم عن بعد أن يقول كلمته بثقة مطلقة بأن العملية التعليمية الافتراضية نجحت هنا جزئيا وفشلت هناك جزئيا وأين ولماذا نجحت هنا وأين ولماذا فشلت هناك؟


لماذا أهدرت وزارة التعليم فرصة استثمار النظام التعليمي الافتراضي في بناء منظومة صحية نفسية لكل الطلبة والطالبات الذين هم بحاجة للاستشارات والجلسات النفسية نتيجة لجائحة كورونا والبناء عليها لما بعد كورونا؟ يتحدث تقرير أعدته اليونسكو تحت عنوان «إطار العمل الاستراتيجي لليونسكو للتعليم في حالات الطوارئ في المنطقة العربية 2018-2021، بأن الحالات الطارئة والأزمات الإنسانية التي تتسبب بها النزاعات وحالات العنف أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، تؤكد اليونسكو على بناء القدرات على الصمود والترويج للتعافي السريع. فلا بدّ من التركيز بصورة خاصة على إيجاد حلول مستدامة تؤمن التعليم الجيد بما في ذلك الحماية المادية والنفسية والاجتماعية لتضمن استدامة الحياة للطلبة والطالبات».

لماذا لم تقم وزارة التعليم بواجبها تجاه رفع الوعي الصحي –الغذائي بين الطلبة والطالبات في منازلهم من خلال استثمار نظام التعليم عن بعد بعد إيقافها الدراسة، وذلك لتأسيس نظام صحي غذائي للطلبة والطالبات البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة في التعليم العام والتعليم الجامعي، وهي التي تعلم تأثير الغذاء وأهميته على الصحة الغذائية في بناء جهاز مناعي يتصدى لفايروس كورونا وغيره، وتعلم أهمية وتأثير السلوك الغذائي على صحة الطلبة والطالبات البدنية والعقلية، مثلما تعلم تأثير سوء التغذية على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية للطلبة والطالبات؟

النجاح الحقيقي لوزارة التعليم ليس بتشغيل نظام التعليم عن بعد، إنما بصناعة المحتوى المناسب والمنسجم مع هذا النظام، وأن النجاح الحقيقي يكون بتغيير السياسات والتشريعات والقوانين التي لا تنسجم ولا تتفاعل مع نظام التعليم عن بعد. فعلى سبيل المثال، لا بد من تغيير الأنظمة التي تمنع احتساب المواد التي درسها المبتعثون السعوديون، الذين يرغبون بالتحويل والالتحاق بالجامعات السعودية بعد جائحة كورونا، بعد أن توقفت دراستهم في الجامعات الأجنبية التي يدرسون بها، بحيث تحسب لهم المواد التي درسوها في الجامعات الأجنبية كاملة، سواء درسوا تلك المواد عن بعد أو بالحضور، فتحتسب لهم موادهم التي اجتازوها عند التحويل إلى جامعات سعودية خلافا للنظام القائم حاليا والذي يحرم الطالب من أغلب المواد التي درسها سواء كانت افتراضية أو تقليدية، ولا يحتسب له إلا عددا يسيرا من الساعات التي أنجزها.

أخيرا، اذا أرادت وزارة التعليم أن تتكيف مع النظام الجديد والذي يبدو أنه سيستمر حتى بعد جائحة كورونا، في دول عدة، عليها أن تعد نظام التعليم عن بعد فرصة، لا أن تعده اضطرارا.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org