-A +A
حمود أبو طالب
بعد حوالي عشرة أيام من تصريحاته السابقة خرج وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان بحديث مهم قبل البارحة في قناة العربية انتظره الجميع بترقب واهتمام شديد. الوزير الجدعان مارس تكتيكاً جيداً عندما قام بتوضيح الأوضاع على دفعتين، أو جرعتين، الأولى بمثابة التحضير والتوطئة والثانية تمثل الشفافية والمكاشفة، وذلك ما يستحق مزيداً من التقدير والاحترام للدولة التي تضع شعبها في الصورة، وتكشف له الأوراق وتطلعه على الحقائق مهما كانت قسوتها، باعتباره شريكاً أساسياً في التحدي الكبير الذي يواجهه الوطن.

وبشكل عام فإن ما ذكره الوزير في المقابلة كان متوقعاً في إطاره العام وخطوطه العريضة، أي إقراره بالأزمة التي تواجهها المملكة كغيرها من دول العالم بلا استثناء، فذلك متوقع لأسباب بديهية، أهمها أن الدولة وضعت صحة المواطن والمقيم في المقام الأول منذ بداية الوباء وذلك ما تطلب صرفاً مالياً ضخماً وعاجلاً لم يكن محسوباً، إضافة إلى إقرار حزمة كبيرة من الدعم للقطاع الخاص حتى لا يتأثر العاملون فيه أو تتلاشى مؤسساته، إضافة إلى ضمان استمرار مرتبات موظفي الدولة، ودعم الأمن الغذائي والحفاظ على استمرار وجودة الخدمات الأساسية، وكل ذلك خلال أزمة عالمية في أسعار النفط الذي يمثل المصدر الأول لمداخيل الدولة، وما تلاها من ركود اقتصادي أثر على بقية الموارد غير النفطية.


كل ذلك وغيره كان لا بد أن يؤثر بشكل كبير على أوضاعنا رغم أن الإجراءات الحصيفة التي اتخذتها الدولة حفظت التوازن إلى الآن، ولكن باستمرار الأزمة الصحية وتبعاتها في كل العالم نكون كغيرنا مضطرين إلى إعادة ترتيب الأولويات، واتخاذ قرارات قاسية وربما «مؤلمة» كما وصفها الوزير، مع تأكيده أنها لن تطال معيشة المواطن وضرورات حياته.

بالتأكيد هناك الكثير مما يمكن تأجيله والترشيد فيه أو حتى تجميده مؤقتاً من مشاريع وبرامج وأنشطة وتكاليف حكومية لتجاوز هذه المرحلة، والمأمول من وزير المالية وغيره من ذوي العلاقة استمرار تواصلهم مع المواطن بشفافية عالية لقطع طريق الشائعات التي ستلقى مرتعاً خصباً في هذه الظروف، ولكي يعرف المواطن دوره ومسؤوليته، والإجراءات التي قد تطاله مستقبلاً.

نحن في مرحلة بالغة الحساسية نواجهها سوياً، دولة ومواطنين، وعلينا النهوض بواجبنا الوطني بشجاعة وصبر حتى لو تحملنا بعض الألم.

* كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com