-A +A
أروى المهنا
يعرف الحوار في اللغة على أنه المراجعة والمناقشة التي تتم بين اثنين أو أكثر في قضية مختلف عليها بينهم، بينما يعرف الحوار اصطلاحاً على أنه أحد العمليات العقلية واللفظية التي يقوم بها مجموعة من الأشخاص، لتقديم أفكار يؤمنون بها أو أدلة وبراهين تكشف عن وجهات نظرهم، وتبرر سبب إيمانهم بها بكل ديمقراطية. يرى الفيلسوف المغربي المتخصص في المنطق وفلسفة اللغة طه عبدالرحمن أن للحوار مكانة أساسيّة في تطوير معارف الإنسان ومداركه، حيث يعتقد بأن الحوار يفتح المدارك على الطرق المختلفة المؤدية إلى الحقيقة، كونه يؤمن بأن الطريق إلى الحقيقة ليس واحداً، فمع تبادل الأفكار والحِوار تتقلص الفجوة بين الطرفين المختلفين، بل قد يتطوّر ذلك إلى تبني أفكار الآخر المخالف، واستعمالها كدليل أو حجة جديدة، ويأتي بذلك تأكيداً بأن الحوار يساهم في تعميق أفكار الفرد ومداركه، فعقل الإنسان يتقلب ويتغيّر في إدراكه للأشياء، ورؤيته لكثير من الأمور، بدلاً من أن يبقى نهراً آسناً لا حياة فيه.

إن النجاحات التي تحققها البرامج الحوارية عبر القنوات الفضائية تؤكد وعي المتلقي وقدرته على التعاطي معها متأثراً ومؤثراً. لقد سعدت بخبر عودة المذيع المتألق عبدالله المديفر من جديد في برنامجه المميز «الليوان» في شهر رمضان المبارك، وتذكرت ما وجهه المديفر للمشاهدين في عام 2019 حيال البرامج الجادة، «أشكركم لأنكم انتصرتم للبرامج الجادة. انتصرتم للمحتوى. لم أتخيل يوماً أن تصل البرامج الحوارية الجادة إلى منافسة الدراما». فعلاً يحقق البرنامج الحواري الناجح متابعة ممتازة، إذ يستقي أهميته من وعي ضيوفه بمختلف مشاربهم وأفكارهم، إذ إن الحوارات تفتح لنا نافذة استثنائية لنتعرف على الشخصية التي أمامنا أولاً ولنكون من خلال الحوار أسئلة جديدة جديرة بالتفكير والنقاش.


أتمنى دائماً عندما نشاهد برنامجاً حوارياً أن لا نحتد على الشخوص بقدر ما تشغلنا الفكرة، أن لا نحكم على الشخوص بقدر ما نتقبلهم، أن نقدر المعرفة، أن نتعايش مع المختلف لا أن نخاف منه، ولعلي أستحضر مقولة المفكر إبراهيم البليهي في قضية تحرير العقل «الاختلاف هو الأصل أما التماثل التام فمحال والممكن هو التفهم». وكل عام والجميع بخير.