-A +A
حمود أبو طالب
لنا أن نتخيل الصين ذات المليار ونصف تقريباً من السكان، التي داهمها فايروس كورونا، كيف لو خضعت مكافحة المرض منذ البداية لمماحكات سياسية وجدل حزبي وخلافات بين قوى وتكتلات متصارعة، كيف لو كانت التركيبة السياسية تسمح بذلك، وماذا كان سيحدث للشعب الصيني منذ اكتشاف المرض إلى الآن، بل ماذا كان سيحدث للبشرية كلها لو كان الوضع في الصين متراخياً لا يتيح سرعة وصرامة القرارات وتنفيذها على الفور دون السماح بأي اختراق أو مخالفة.

ربما لم تسمح لنا دراما انتشار المرض عالمياً في تأمل التجربة الصينية، أو المعجزة الصينية الجديدة، في السيطرة على المرض والتعامل مع خطورة انتشاره، التي تعد درساً بليغاً ومهماً في كيفية إدارة الكوارث بنجاح في مجتمع ملياري العدد داهمه فايروس مجهري غامض ينتقل بسرعة من شخص إلى آخر. وعندما نصف ما حدث بالمعجزة فليس في ذلك مبالغة عندما تعزل منطقة يقطنها الملايين ومع ذلك توفر لهم أسباب الحياة من مأكل ومشرب وعناية صحية وتتخلص من نفاياتهم الخطرة بطريقة آمنة، وتضمن عدم تسلل أي فرد منهم أو دخول أي شخص إليهم، وتنفذ برنامجاً فعالاً لصحة البيئة، وتقدم الدعم النفسي والمعنوي والمادي للمجتمع، وتتحمل كل التبعات الاقتصادية الباهظة لذلك دون إشاعة الارتباك من آثار ذلك على المستقبل القريب والبعيد، أو إدخال المواطن الصيني في حالة خوف مما سيتحمله لاحقا بسبب ما حدث.


الصين الحديثة التي أسست نظامها السياسي الخاص بها، وانتقلت بمجتمعها من التخلف والفقر والمرض والجهل إلى المنافسة على القمة في كل مجالات العلوم والتقنية، وضعت لها شعاراً مهماً منذ البداية اسمه «الانضباط» في كل شيء، وغير مسموح أبداً بالتساهل فيه، فضلاً عن خرقه وتجاوزه. وقد ابتدعت الصين الحديثة أيضا عقوبتها الخاصة لقطع دابر الفساد في أي شيء، الإعدام، لاسيما عندما تمر البلاد بحالات طوارئ وأزمات، وللتنويه فإن للصين أيضاً تعريفها ومحدداتها لمصطلح الفساد، بحيث لا يلتبس على أحد، ويعاقب عليه الفاسد الكبير قبل الصغير.

تخيلوا الوضع الصيني خلال كورونا لو حدث في بلد من البلدان التي تضع للفساد أقنعة، ماذا سيفعل مستفيدو الأزمات من سياسيين وتجار ومقاولين ومهربين وسماسرة ووسطاء، ماذا سيفعلون في كل شيء ابتداء من حبة الدواء وكمامة الهواء وانتهاء بكل ضرورة لاستمرار الحياة.

فتأملوا الدرس الصيني يا رعاكم الله، وفكروا كيف لو تعلمت منه بقية بلدان العالم.