-A +A
منى العتيبي
ناولتني صديقتي لقاء للأديب السعودي عبدالرحمن بن فيصل المعمر وأشارت علي بمشاهدته قائلة محفزةً: كأن منى العتيبي تتحدث أمامي!

تابعت اللقاء كاملاً وبالحرف الواحد، خصوصاً أنني أستأنس جدّاً في الاستماع إلى تجارب الرواد ورؤاهم الحياتية وتلك الأفكار والقيم التي شكلتهم من خلال الأحداث والمواقف التي صنعت منهم كباراً ورواداً.


ويعد هذا اللقاء أول ظهور إعلامي للأديب المعمر، إذ حاول مسبقا الإعلامي الدكتور أحمد العرفج ولخمس سنوات ماضية أن يقنعه في الظهور وكان يرفض ذلك ويعلله بميله إلى الهدوء وعدم رغبته باللهاث وراء حب الظهور وطبيعته التي تنفر من إشغال الناس به.

اللقاء ذاكرة تاريخية ثقافية زمانية ومكانية تمتد حتى تستوطن منطقة الحجاز.. تأخذنا إلى بدايات المجلات والأندية الثقافية وأبرز الأعلام في مرحلة بداياته والحراك العجيب بالرغم من كل التحديات التي تواجههم وصمود رؤساء التحرير أمام المعوقات والتحديات النظامية وكتّاب الرأي أمام محاولة ما يعترض قناعاتهم الشخصية وأفكارهم والمواقف العدائية من الناس والتهم التيّاريّة التصنيفية.. حتى في موقف أديبنا مع الناصرية يمثلني بالرغم من أني لم أعش الحقبة الزمنية، ولكني كنت أقرأ وأسمع وأرفضها بالفطرة المعرفية وقد قرأت عنها الكثير والكثير حتى أحاول أن أقنع الشك الذي يساورني نحوها فوجدتها مجرد شعارات أُسقطت في مصلحة شخصية بحتة ورحلت كظاهرة صوتية مع رحيل صاحبها.

وقد خطف اللقاء عقلي وقلبي حين تحدث الأديب الهارب من الأضواء عن تجاربه مع المواقف الحياتية التي واجهته لتختبر قيمه ومبادئه.. فنحن كل يوم نمر بمواقف تقف أمام مبادئنا وقيمنا وجهاً لوجه ومنّا مَن يضعف ويستسلم ومنّا مَن يصدها ويثبت.. كما رسم أمام الجيل الناشئ خارطة الطريق نحو صناعة الإبداع والتفرد، فمَنْ يرد أن يكون كبيراً يجالس الكبار، ومَنْ يرد أن يكون صغيراً يجالس الصغار، ومَنْ يرد الثبات يجالس من يشبهه، ومن قصد البحر استقى السواقيا.

هذه اللفتات العظيمة في نظري لا تصنع الإبداع، ولكنها تصنع الإنسان أولاً، فوقوفك أمام خصمك اللدود سواء في عملك أو معاركك الخاصة باحترامٍ يجعلك عظيماً أمام نفسك ويجعل عدوك صغيراً ذليلاً أمام نفسه، كما أن منهج الوضوح والصراحة والشفافية والتلقائية والظهور على طبيعتك يبعدك عن المنطقة الرمادية التي تصنع منك شخصاً منافقاً بلا هوية ويعيش على حافة الحياة تائهاً بين ذلك وذاك، وأقرب خطوة يخطوها قد تلقي به إلى الهاوية.

المعمر.. المحارب الكبير -كما أطلق عليه الإعلامي خالد المالك- لم يكن محارباً من أجل منصب ومال، إنما من أجل مبدأ.. لا تخسروا أنفسكم من أجل صورة مزيفة.

* كاتبة سعودية

monaotib@

Mona.Mz.Al@Gmail.Com