-A +A
فهد إبراهيم الدغيثر

انتهى موسم الرياض الذي حقق على المستويات المالية وعدد الزوار نجاحاً ملفتاً، حسب تصريحات المسؤولين، لاسيما هو الأول من نوعه.

ستنتقل هيئة الترفيه إلى موسم الشرقية ومناطق أخرى، محملة بتجربة موسم العاصمة.

من لا يعمل لا ينجح، ومن يريد تجنب الأخطاء فعليه التوقف عن المحاولات تماماً.

حدثت بعض الأخطاء في موسم الرياض، وكان من أبرزها استهتار بعض الزوار وتماديهم غير المبرر في المظهر أو في السلوك المتمثل في التحرش في عدد من الفعاليات. تم القبض على عدد منهم كما أعلنت شرطة الرياض بعد انتشار العديد من المقاطع المصورة. لكن ما ساعد على هذه الجرأة لدى البعض برأيي هو انطباع الزوار عن ضعف الجانب الرقابي من خلال تجاربهم السابقة مع هذا الجهاز.

التحذير من ارتكاب المخالفات والإعلان عن العقوبات المحتملة والتشهير بالمستهترين تعتبر إجراءات توعوية وتحذيرية كان يفترض أن تكون على مستوى عال من الإفصاح والجاهزية قبل وعند الشروع باستضافة مثل هذه الفعاليات. حتى التطبيق والمتابعة الصارمة تحتاج لبعض الابتكار.

في أوروبا وأمريكا واليابان، وهي مجتمعات قائمة على تعدد القوانين والأنظمة، يقومون بنشر فرق إضافية سرية من الأمن بملابس تشبه ملابس الجماهير، ويتوغلون داخل الحشود بقصد زرع الهاجس الأمني لدى الجماهير في كل بقعة.

لا شك أن لدى الأجهزة المعنية في هيئة الترفيه مثل هذه الملاحظات وأكثر. ولا شك أيضاً أن الإخوة والأبناء هناك سيعيدون النظر في الكيفية التي يجب أن تسير وتنفذ عليها مثل هذه الفعاليات الترفيهية الضخمة عبر الدراسة والتقييم وتحديد مناطق الضعف ومناسبة الفعالية بالأصل. ليس المهم استحداث الفعالية والترويج لها فقط، بل ضمان خروجها بالصورة اللائقة التي لا تتصادم مع الآداب والذوق العام.

على أن هناك جوانب أخرى أراها مهمة في تناول هذا الموضوع، وهي الأدوار والمسؤوليات التي تقع على الأسرة والبيت. عاش المجتمع السعودي كما نعلم وبكل أسف، عقوداً من الزمن تقلصت من خلاله أدوار التربية المنزلية بسبب المبالغة في الانغلاق ووجود هيئة الأمر بالمعروف في معظم الأماكن العامة كمراقب على الآداب العامة. هذا المشهد بلا شك طمأن أولياء الأمور ودفعهم بلا شعور إلى إهمال التوعية اللازمة في البيوت. من هنا نلاحظ بعد الانفتاح نوعاً من الصدمات لدى بعضهم دون إدراك بالمسؤولية التي أهملوها. لذلك، وكما نطالب بتكثيف وتدريب الأجهزة الرقابية، فإننا نطالب أيضاً بعودة أولياء الأمور إلى تحمل مسؤولياتهم في زرع المبادئ والقيم والخوف من الوقوع في المخالفات لدى الأبناء والبنات.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا يمكن من زاوية العدل والأمانة تناول ضعف الرقابة في فعاليات الترفيه وإهمال الحديث عن ضعفها في معظم مظاهر النهضة في المملكة. السعودية حقيقة لا تفتقر لوجود الأنظمة، بل للقدرة على تطبيقها وبناء هيبتها في عقل المواطن والمقيم. فجهاز المرور مثلاً غارق في مئات القوانين الحديثة المتعلقة بانضباط السير والسلامة، لكنه لا يطبق منها الا النزر القليل على الواقع. النتيجة ضياع تام لهذه الأنظمة وانعدام لهيبة رجال المرور.

الغش والتزوير في السلع الاستهلاكية لا يتوقف، معظم الحالات التي نسمع عنها أصبحت تخرج من نشطاء في السوشيال ميديا وليس من الأجهزة الرقابية المعنية أصلاً بذلك. الاستهتار بنظافة الأماكن العامة يستمر بلا أي رادع لنفس الأسباب. مخلفات البناء وإهمال الأرصفة وكثرة الحفر والمعوقات في الشوارع والطرقات تكشف مدى الحاجة لوجود أجهزة المراقبة الفنية لدى البلديات ووزارة النقل.

المملكة بشكل عام بحاجة إلى جيوش من المراقبين المدربين مع منح الصلاحيات اللازمة لهم لتحرير المخالفات، وتزداد أهمية ذلك مع ما نعيشه هذه الأيام من انفتاح طال انتظاره. لا يمكن أن نحقق رؤى وتطلعات واعدة تحمل هذا الكم من التفاؤل الذي نحلم به في تعدد مصادر الدخل مع استمرار هذا الهدر والفوضى في الممتلكات والمناطق العامة والذوق العام. لنتذكر أن مصطلح «كفاءة الإنفاق» يعتبر مكونا رئيسيا في تحقيق رؤية السعودية وهو يعني تحديداً المحافظة على المال العام من خلال مراقبة الجودة. يمكن تطبيق ذلك على ضبط السلوكيات والأخلاق والآداب العامة حيث إن إهمال ذلك سيؤدي إلى عدم القبول وفشل الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع.

الذي يدفعنا للأمل هو أننا نخطو الخطوات الأولى وأمامنا الكثير مما يجب الاستفادة منه. محاربة الفساد المالي والإداري وهي الأهم، تسير ولله الحمد بخطى قوية وتستحق الإشادة وأصبحت مثالاً يتحدث عنه الجميع داخل وخارج المملكة.

في النهاية نحن لا نتحدث عن صناعة نووية، بل مجرد إدارات واعية وحاسمة وتطبيق صارم للأنظمة وتشهير بالمخالفين المستهترين تسهم جميعها مع الوعي المرتقب في بناء البيئة المناسبة لطموحاتنا العريضة ومعايشتها واقعاً ملموساً يحقق للوطن أمنه واستقراره ويفي بتطلعات الأجيال القادمة.