-A +A
? إبراهيم علوي (جدة)
أرجع باحثون في علم التاريخ والآثار عمر مدينة جدة لنحو 3000 عام وأن سكانها وجدوا منذ العصر الحجري في المنطقة التي تحمل اسم (التاريخية). وتناول المتحدثون بعض الآثار والكتابات الثمودية وأن المدينة يرجع تأسيسها إلى بني قضاعة الذين سكنوها بعد انهيار سد مأرب في العام 115 ق.م. ويقول المؤرخون أن جدة كانت مسكونة قبل قبيلة قضاعة من صيادي أسماك البحر الأحمر وكانوا يعتبرون جدة مركزا لانطلاقهم للبحر ومقصدا لراحتهم، وذكرت بعض الروايات أن تاريخ جدة يعود إلى ما قبل الإسكندر الأكبر.
الكاتب والخبير في شؤون المدينة القديمة عبدالوهاب أبوزنادة، أشار إلى أن الدراسات البحثية في علم الآثار عن جدة التاريخية تثبت وجود تاريخ ومدينة مدفونة. يقول: الملاحظ لزائر شارع قابل وعند مسجد المعمار، أن الضلع الجنوبي للمسجد يبلغ ارتفاعه 4 أمتار، بينما لو حضر الزائر من البوابة الشمالية للمسجد يجده على نفس امتداد الشارع المرتفع، وهو ما يدل على أنه مبني على تلة عظيمة. هضبة جدة الشمالية الكبرى والممتدة إلى الجامع العتيق داخل المدينة التاريخية، كذلك فإن المشاهد يرى انحدار الزاوية. وأشار أبو زنادة إلى أن التوقعات والإشارات في أن تكون هذه التلة التي تبلغ مساحتها نحو (2 كلم) تقريبا، هي المدينة الأصلية التي دفنت وبنيت عليها المدينة الحالية، وهي المنطقة المحددة الآن بحارة المظلوم والجزء الشمالي الشرقي من حارة الشام.

يستطرد أبو زنادة: هناك دلائل أخرى في منطقة قلعة القشلة، إذ أن القادم لتلك المنطقة من الناحية الشرقية الفاصلة بينها وبين مقبرة أمنا حواء، يصعدها صعودا بعكس القادم من الجهة الأخرى التي يجدها محاذية للشارع، وهناك حقائق تاريخية تثبت أن المدينة تحمل تاريخا عتيقا يعود إلى ما قبل 2400 عام، ومنها أن الاسكندر المقدوني جاء إلى مكة في حياة النضر بن كنعان، ثم قطع البحر من جدة إلى بلاد المغرب، وورد ذلك في كتاب (الأخبار الطوال) لأحمد بن داود الدينوري. الاسكندر ولد وتوفي في القرن الرابع قبل الميلاد ما يؤكد أن مدينة جدة كانت معروفة قبل نحو 2400 عام. فإذا أضفنا إلى ذلك سكنى قبيلة قضاعة لجدة، فإن ذلك يؤكد أن جدة كانت معروفة في القرن الثاني قبل الميلاد.
يروي العمدة عبدالصمد محمد عبدالصمد تاريخ جدة في العهد الإسلامي ويقول: الخليفة الثالث عثمان بن عفان اختار المدينة في العام 647 كميناء رئيس لدخول مكة المكرمة والوصول إليها عن طريق البحر وسميت في ذاك الوقت باسم بلد القناصل. حيث يشير ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما إلى أن المدينة ذات طراز معماري فارسي. فيما قال عنها المقدسي البشاري (توفي 990م) صاحب كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم «محصنة عامرة آهلة، أهل تجارات ويسار، خزانة مكة ومطرح اليمن ومصر، وبها جامع سري، غير أنهم في تعب من الماء مع أن فيها بركا كثيرة، ويحمل إليهم الماء من البعد». وتابع مشيرا إلى أن الرحالة الفارسي المسلم ناصر خسرو وصف جدة عندما زارها عام 1050 م بأنها مدينة كثيرة الخيرات مزدهرة بالتجارة باسقة العمران ووصف أسواقها بأنها نظيفة وجيدة وقدر عدد سكانها بنحو 5000 نسمة.
العمدة عبدالصمد يقول: جدة استمرت تحت نفوذ الخلافات الإسلامية المتعاقبة وبنى السلطان قانصوه الغوري العام 915هـ - 1509م سور جدة حماية لها من غارات السفن الأوروبية التي لم تهاجم المدينة إلا بعد وصول العثمانيين، وكان قانصوه آخر المماليك السلجوقيين الذين حكموا جدة في القرن العاشر الهجري وتذكر بعض المصادر التاريخية أن المدينة بقيت أغلب فترات القرن الخامس عشر الميلادي مستقلة في الحكم حتى دخلت تحت حكم العثمانيين. وعن الحروب والغارات التي شهدتها محافظة جدة قال عبدالصمد: تعرضت جدة في أوائل العهد العثماني للعديد من غارات الأساطيل البرتغالية في القرن السادس عشر ميلادي العاشر الهجري ثم لغارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي. وصل أسطول لوبو سوارس البرتغالي أمام جدة عام 1516م وقد صدته الحامية العثمانية بقيادة سليمان باشا وأسرت إحدى السفن وأرسلتها للأستانة. نائب الرئيس للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار علي الغبان يؤكد وجود آثار يعود تاريخها لما قبل المنطقة التاريخية نفسها، خاصة المواقع القريبة من بيت نصيف ومسجد الشافعي، فيما يقول الاستشاري والخبير في ترميم المدن القديمة عبدالعزيز دليم الغامدي: إن الإعلان عن انضمام جدة التاريخية لقائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو في اجتماعات لجنة التراث العالمي لليونسكو كان تتويجا للجهود الكبيرة في حماية وتطوير المنطقة من خلال شراكة مميزة وفاعلة بين عدد من الجهات التي تتقدمها الهيئة العامة للسياحة والآثار ومحافظة جدة وأمانتها التي عملت على تنفيذ مشروع متكامل للمحافظة على منطقة جدة التاريخية وتطويرها، وتهيئتها كموقع تراث وطني. دليم يشدد على أن منطقة جدة التاريخية تعد من أولى اهتمامات الدولة بالمواقع الأثرية والتراثية وهناك العديد من الجهود التي بذلت ولا تزال تبذل يوميا للحفاظ عليها وتطويرها. داعيا الى أهمية وضع خطط تطويرية وتحديد ما يمكن الاستفادة منه وإعادة ترميمه أو ما يمكن إزالته بما يحفظ أرواح الناس من الساكنين أو التجار أو الزائرين والسياح، لأن هناك العديد من المباني مهددة بالانهيار بسبب عوامل الزمن والتعرية.
أما الكاتبة والمهتمة بالمناطق التاريخية هند باغفار فذكرت أن مهرجان جدة التاريخي العام الماضي جعلها تعود مجددا إلى ذكريات الطفولة الجميلة والمهرجان دعوة للعودة وضرورة إحياء المنطقة.. «سمعنا قبل أعوام عن وضع برنامج يكفل الاهتمام بالمنطقة التاريخية واليوم تحقق ما كنت أتمناه ويتمناه كل أهالي جدة وعلى وجه الخصوص أهالي وملاك المنطقة التاريخية».