اذا كانت الحلقة الماضية حفلت بدقات الطبول ورقصات الزار الهستيرية ومشاهد الدماء وهرطقات بعض الضحايا الذين يدّعون اصابتهم بالزار فإن هذه الحلقة مزيج من مختصين يتحدثون عن ماهية الزار والمرض النفسي وعما اذا كانت هناك علاقة بينهما.
مع الركض في «متاهة» عدد من المصابين بالامراض النفسية حيث اشار البعض منهم الى ان الزار حقيقة واقعية فيما اكد آخرون انه مجرد خرافة وادعاءات باطلة وبمثابة «قبض الريح» قبل ان نعبر الى دهاليز الزار والمرض النفسي نتوقف عند محطة بعض المرضى النفسانيين
«م.ب» كانت حياته خالية من الضغوط النفسية ولكنه شعر في احد الايام ان ثمة طارئا يحط بثقله على تفكيره وان هناك تشويشا يؤرقه مما احال حياته الى كابوس وتغيرت سلوكياته ولاحظت اسرته ما يحدث له فحاول شقيقه الأكبر معرفة اسباب ذلك ولكنه لم يتمكن من سبر اغوار اخيه مما اضطره الى عرضه على طبيب نفسي وبعد جلسات من العلاج النفساني عاد الى رشده وانتهت المشكلة النفسية التي ظلت تجثم على انفاسه.
ضيق في الصدر
ولم يكن «س.ف» يعتقد انه سوف يطرق باب عيادة الطبيب النفسي حتى شعر في يوم ما بضيق في صدره وبدأ ينعزل عن محيطه وتطور الامر فاتخذ غرفة للسكن وحده وعندما رأت اسرته حالته تتدهور يوما بعد الآخر عرضته على طبيب نفسي وبعد جلسات استمرت لمدة شهر زال عنه ذلك العارض وعاد الى طبيعته.
الكوابيس المزعجة
أما «ف.ع» فهي سيدة متزوجة ظلت تعاني من الكوابيس المزعجة حتى وصلت حالتها الى درجة مزرية فنصح البعض اهلها بعرضها على طبيب نفساني او معالج بالقرآن واخيرا اصطحبها زوجها الى طبيب نفساني خارج منطقة القصيم وبعد عدة جلسات انتهت معاناتها.
والسؤال «الفارع» هنا هل يا ترى لو كان هؤلاء طرقوا ابواب حلقات الزار كانوا قد عادوا الى حالتهم الطبيعية أم انهم اختاروا الطريقة المثلى للعلاج عندما طرقوا عيادات الاطباء النفسانيين.
اجابة هذا السؤال نجدها في اقوال متفاوتة عن الزار والامراض النفسية
مرض الضعفاء
نادية العقيل الاختصاصية النفسية بالرعاية الصحية الاولية بجدة تعتبر الزار من اقدم اشكال الدجل والشعوذة في الوطن العربي الذي تختلف طقوس ممارسته من بلد لآخر وتقول ان الزار في الاساس يقام للنساء من خلال ايقاعات صاخبة ذات تأثير ايحائي على النفس الضعيفة توهمها بأهمية التفاعل مع تلك الايقاعات وتبدأ في صراع مع نفسها حتى تصل الى مرحلة الانسجام التام مع تلك الايقاعات فترقص برشاقة متناهية ومع اشتداد ايقاعات الطبول ونظرات الآخرين لها تستمر بلا شعور في الرقص لساعات حتى تسقط مغشيا عليها وتضيف: رغم ان كل حالة تختلف عن الاخرى في نوع الاضطراب او المشكلة التي تعاني منها لكن الجميع يشتركن في شيء واحد انهن يعانين من امراض نفسية ويعتقدن ان علاجهن في اداء رقصات الزار وترجع الاختصاصية نادية انتشاره بين النساء الى ضعف وقلة حيلة المرأة وسرعتها في التأثر بالايحاء وبالاشياء الخارجة عن المألوف ومن يعتقد ان الزار هو مرض معد وينتقل من انسان لآخر فهو مخطئ لانه ليس مرضا عضويا انما مرض نفسي لجأ اليه البعض من اجل الحصول على اهتمام ورعاية الآخرين لانه مفتقد لها.
حالات هستيرية
ويقول الدكتور ايمن عرقسوس ان العلم الحديث ينظر دائما الى اي شيء مخفي وغير معروف على انه مرض نفسي في ما يرى البعض انه عمل خفي وانا اميل الى تلك النظرة التي تنطبق على الزار فكثير من الحالات التي قمت بدراستها وجدتها في الغالب حالات هستيرية بسبب ميلها الى نوع من الايحاء النفسي لذلك تقام حفلات الزار التي يستفيد البعض منها نفسيا ولو استفادة وقتية. فكل الدراسات اثبتت ان الزار هو مرض نفسي وان الكلام الخارج من الشخص المصاب به اثناء حفلات الزار والتي عادة ما تكون ملفتة للنظر والسمع هي احد اعراض الهستيريا حيث يظهر مرضه من خلال افعال غريبة لاشعورية للفت الانتباه ولتفريغ الانفعالات النفسية.
افكار خرافية
ويصف الدكتور احمد الزعبي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في القنفذة الزار بأنه من الافكار الخرافية الموجودة في كثير من المجتمعات التي اصبح جزءا من موروثها الاجتماعي وقد يتخذه البعض وسيلة لكسب الرزق خاصة وانه من الافكار المؤثرة في حياة الناس وفي سلوكياتهم ووجدانهم مشيرا الى ان التخلص منه ليس بالامر السهل لان معظم من يصاب بتلك الافكار هم اشخاص يتأثرون بالايحاء ويعتقدون ان اللجوء الى المشعوذين او السحرة يحقق لهم حاجة ما او يجلب لهم نفعا او يجنبهم ضرا او يشفيهم من مرض وهم واهمون ومن ذوي المستويات التعليمية البسيطة وممن يعانون من صعوبات اقتصادية ومعجبون جدا باعمال المشعوذين وغير قادرين على قبول اي تفسيرات غيبية لا تستند الى اي مستند علمي او حجة لايمانهم بما يدور حولهم من خرافات وذلك يعود لبساطة الافكار الخرافية ولسرعة تقبلها وصعوبة التحقق منها في ظل وجود جماعات تعمل على تدعيم استمرار الايمان بهذه الافكار التي تعود بافكار سلبية على المجتمع وعلى الفرد وتتنافى مع تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف.
ارضاء الشيطان
الدكتور محمد بن عبدالله غبان الصبحي عضو هيئة التدريس بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة قال: ان من يقرأ او يستمع لمن كتب او حضر ما يسمى بـ(الزار) يعلم أنه حفل هستيري تدق فيه الطبول ويرقص عليها البعض سواء كانوا نساء او رجالا وذلك لارضاء بعض الشياطين او لاستخدامهم في طرد شياطين آخرين تلبسوا ببعض الإنس بسبب السحر او العين او نحو ذلك ويضيف: في دائرة معارف القرن العشرين نجد تعريفا وكتابات عن «الزار» وايضا في ما جمعته نورة الشيخ حامد من «دائرة المعارف الاسلامية» ومن «الموسوعة العربية الميسرة» ومن «كتاب المعتقدات الشعبية في العالم الاسلامي» جميعها تبين لنا ان «الزار» يطلق على معالجة مس الجن للانسان وان الذي ادخله الى النسق الثقافي العربي هم الاحباش وطرأ عليه تغير في سماته واصبح في المعتقد الشعبي وسيلة للشفاء من امراض نفسية وجسمية «الاكتئاب، الصداع، ولادة اطفال مشوهين او ميتين» وهو بذلك يختلف عن اصله كونه لا يستنطق الاسياد عن امور الغيب وبذلك يتبين ان من يمارس «الزار» يستخدم شياطين لايتعامل معهم السحرة والمشعوذون مما يؤكد على انه عمل محرم مخالف للمعتقد الصحيح.
انفعالات نفسية
ويعتقد الدكتور سالم الوهابي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد في أبها بأن الزار من رقصات شاع ذيوعها منذ القدم ومحل اختلاف الكثير فمنهم من يراه انه عمل جان ومنهم من يراه انه مرض نفسي ويضيف: حتى الآن لم ار اي دراسة واقعية في هذا الامر ولم ار على الطبيعة ما يشير الى ان الزار هو عمل جان لذا ومن خلال هذه المعلومات الظاهرية ارى ان ما يشعر به بعض الناس عند حفلات الطبول هي انفعالات نفسية ارتاحت لسماعها الاذن فتأثرت بها النفس وتجاوبت معها بالرقص وادعاء البعض وتأكيدهم ان هذه الحفلات هي حفلات للجان مستدلين بذلك انها تختفي في شهر رمضان الكريم قولهم مردود عليه لان في هذا الشهر يتفرغ الجميع للعبادة وليس للطبل والرقص.
غير ان الدكتور محمد الوهيب عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود قال لا يمكن ان ننكر الزار فهو معروف وموجود في بعض الدول العربية وان اختلفت طقوسه لكنها كلها خرافات وهو من انواع دجل المشعوذين الذين يوهمون ضعاف العقول والايمان ان ما بهم من مرض هو مس من جان وان عليهم ان يسلموا انفسهم لهم وان يدخلوا معهم في حلقات الزار للرقص فيها من اجل استرضاء او طرد تلك الارواح الشريرة ويواصل الوهيب لذلك ارى والله اعلم ان حلقات الزار ما هي الا اعمال كهانية تجتمع فيها النسوة ويتمايلن في الرقص على دقات الطبول والتي ينطرب لها بعض النساء فتزيد الواحدة من سرعتها في الرقص حتى تبلغ اقصاها وتنهك وبسبب تعبها من مجهود الرقص الانفعالي تسقط مغشيا عليها فيعتقد البعض انها سقطت بفعل الجان ويرى الوهيب ان ما يحدث في حفلات الزار يعود الى عوامل نفسية يعاني منها المرء بسبب سهولة تقبله لأى ايحاء فيبدأ التأثر بما يسمعه من الآخرين حتى يصل الى مرحلة التشبه اللاإرادي لكن وحتى نصل الى الحقيقة لابد من دراسة شاملة ودقيقة عن كل ما يتعلق بالزار.
بابتس الزنوج
وعن دور الاعلام ووسائله يقول استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود بالرياض الدكتور فهد الطياش وهو ا حد الذين قاموا بدراسة دقيقة عن الزار وطقوسه ان دراسته الانثروبولوجية كانت تهدف الى مقارنة ما يدور في لقاءات الزار ببعض ما يدور في الكنائس «للبابتس» من الزنوج الامريكيين وذلك دراسة الشق الاتصالي والاعلامي في الموروث الشعبي وخاصة في كيفية وصول الفكرة وانتقالها وتوارث الاجيال لها ويضيف الطياش ففي دراستي تبين ان ارتباط الزار بالسامري ماهو الا عملية بحث عن حيلة تبريرية اجتماعية يؤدي بموجبها الرجل رقصات على ايقاع طربي في جلسات سمر دون ان يفقد الاحترام من الجماعة التي يعيش فيها والتي تنكر على الرجل التراقص والتمايل مثل النساء فالرجل عند هؤلاء يرقص للحرب وليس للترفيه ولذلك اوجدت الجماعة هذا المخرج للطرب والسمر دون فقدان المكانة الاجتماعية فالذي نزل الى ميدان الرقص «ليلعب» ليس ذلك الوقور من الناس وانما هو قرين له يزوره عنذ الطرب ويستطرد الطياش في عرض المقارنة وكان الرجل الذي يطرب لهذا النوع من الغناء يمارس الكثير من الطقوس الاقناعية للجماعة مثل خاتم الزار والنظافة والتعطر قبل الحفل وعندما تنتهي رقصته يأتي من يساعده على ما يسمى بـ «التطيير» اي خروج الزائر من الجن لجسم ذلك الرجل لكي يعود في صفوف المتابعين دون ان يفقد الاحترام من الآخرين ونظرا لاختلاف الجيل الحالي في مسألة العيب من الرقص وارتباطه بالدين او الرجولة نجد ان الامر اصبح عاديا لدى البعض فتجدهم يرقصون في اي مكان اما من به بقية من اخلاق يرقص في مكانه وهو يغطي وجهه ويشير استاذ الاعلام الى هؤلاء الذين ينكرون على الشباب الطرب والتفاعل مع الانغام لافتا الى ان هذه الحال التي يعيشها الشباب في مجتمعاتنا العربية حاليا ستقود بلا جدال الى حيلة زار اخرى ربما لا يزور فيها الجن الانس وانما العكس حيث يزور الانس الجن بحجة التعرف على عالم الجن من اجل ممارسة الغناء الطرب والرقص.
حيلة اجتماعية
ويخلص الطياش الى ان الزار كان حيلة اجتماعية لممارسة عمل ترفيهي يرفضه المجتمع فاصبح حيلة اقتصادية للكسب من السذج باسم العلاج واخراج الجن وقد تتطور هذه الحيلة الى ممارسة ممنوع آخر لا يناقش في النور فيذهب النقاش فيه الى غيبيات الاقبية او التفسيرات الميتافيزيقية.
يضيف استاذ الاعلام اسامة سباعي بقوله ان الزار او الحضرة ليس ظاهرة حتى نضخم مناقشته وهي حالات قد تظهر بين الحين والآخر مشيرا الى ان هذه الحضرة تجتمع فيها النسوة المصابات بامراض خارجة عن الطب ويرقصن حتى يسقطن ويغشى عليهن حتى يعتقد البعض ان رقصهن وسقوطهن بفعل شيطان رغم انه الاقرب الى الخرافة .
نشوة مذمومة
وقال الشيخ احمد بن قاسم الغامدي مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العاصمة المقدسة اذا كان الزار يجعل ا لمرء يقع تحت مس الشيطان وقد تصدر منه بعض الاعمال المخالفة شرعا فهو امر محرم ولا يجوز، مشيرا الى ان المرء قد يتعرض في بعض الأحيان الى فرح شديد او حزن شديد فيتمكن الشيطان منه ويجعله غير قادر على السيطرة على نفسه عندها قد يقع في سخط وجزع من قضاء الله وقدره وقد يقع في نشوة فرح مبالغ فيها وهي النشوة المذمومة المهلكة فالانسان متى ضعف إيمانه وتعلق باشياء اخرى تخبطه الشيطان وهو امر مذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون» ويستطرد الشيخ الغامدي وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يسعى لإيذاء ابن آدم من حين ولادته فيطعنه حتى يصرخ إلا عيسى بن مريم فقد حفظه الله من ذلك، والمس ثابت في الكتاب والسنة وهو إيذاء من الجن لإنس منه ما ذكر في السنة ولا يبعد ان يكون هذا الذي يحدث لمن يفـعل هذا الزار من امور متصلة بالشيطان خاصة مع ما يذكره البعض من طقـــوس تنفـــذ فيه اما دور من اسموها بالمشيحة والتي تشرب الدم لسبعة أيام من كبش اسود وغير ذلك فإن صح ذلك بالتأكيد هي افعال منافية للاسلام ومقربة للشيطان وامر محرم وباطل لا يجوز التساهل فيه ابدا.
الزار.. حفلة هستيرية لاستنطاق «الأسياد» بالدجل والشعوذة
15 مارس 2007 - 19:03
|
آخر تحديث 15 مارس 2007 - 19:03
الزار.. حفلة هستيرية لاستنطاق «الأسياد» بالدجل والشعوذة
تابع قناة عكاظ على الواتساب
محمد الهتار (جدة)،عبدالله اليوسف (القصيم) عائشة الشاعري (القنفذة)، عكاظ (بريدة)