جماعة الإخوان المسلمين التي وظفت وتوظف الدين الإسلامي السمح في الوصول إلى سدة الحكم وإدارة أمور الدنيا، جماعة غير ديمقراطية، لا تؤمن بتعدد الألوان والمشارب وبقانون اللعبة الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة والمشاركة في الحكم، بل تعتمد على قيم التسلسل الإداري والسمع والطاعة والسرية في أدبياتها، وهذه القيم لا تؤمن بالتعدد وحق الاختلاف بين أعضاء الجماعة ذاتها. وخلال فترة حكم الجماعة، رأينا تعالي الجماعة وتعاملها مع الذين هم خارج سرب فكرها من ذات التيار الإسلاموي.. أو مع التيارات الوطنية الأخرى؟! الذي أقل ما يقال عنه بأنه سلوك غير ديمقراطي.
فالديمقراطية مفقودة في بنيتها وإنما هناك شورى وهي غير ملزمة، ودخلت الجماعة اللعبة الديمقراطية المصرية من باب التكتيك وليس الاستراتيجية، فحكم وقرار الشعب يراه البعض من المحرمات، لكن هدفها لم يكتمل في الوصول إلى جميـع مفاصل الوطن المصري، بمحاولة أخونة القضاء والإعلام ووظائف الدولة حتى تكون خيوط اللعبة الانتخابية القادمة في يد الجماعة، وبالتالي يكون حكمها للأبد. لكن ما حدث بعد عزل محمد مرسي من كلام وفعل في ميدان رابعة العدوية والنهضة وسيناء ومحاولة قتل وزيـر الداخلية، أظهـر أساليبهم البربرية البعيدة عن النضال السلمي المشروع، وأكد تلك المخاوف، وجعل كل تلك الخلايا النائمة تظهـر من جحورها.
الأحزاب الإسلاموية مع الأسف لا تستفيد من التاريخ والأخطاء هنا وهناك. وكان بإمكان حركة الإخوان على الأقل قراءة تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية، والأهم البعد عن النظر الضيق وإيجاد البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهو ما جعل تجربة الإخوان المسلمين تسقط في فقه الواقع وعدم تقدير الأمور وتغليب حب الوطن على الكرسي الزائل. تتعجب من قناة فضائية تطرح شعارا براقا (قناة الرأي والرأي الآخر )، تمجد الفوضى وتروج للخراب في مصر. مصر الدولة المدنية منذ عقود، الممتدة منذ تجربة محمد علي، لن تنهار هكذا. فمصر ليست دويلة، وجيشها ليس أي جيش. فعقيدته الوطن أولا وأخيرا. ورأينا موقفه من الثورة كيف انحاز إليها ضد نظام حسني مبارك ومحمد مرسي. تتعجب من تلك القناة التي تروج لأحداث هنا وهناك في مصر إلى حد يشعرونك أن الدولة المصرية ستنهار لا محالة خلال دقائق. وهي الدولة التي عرفت الإخوان وخاضت حروبا طويلة مع التطرف ونجحت بامتياز في القضاء على الإرهاب. تلك القناة التي تمتهن التحريض والصراخ واستضافة بائعي الكلام في دكاكين الثقافة والسياسة البالية. كيف يصدق إنسان أن محاولة استهداف تفجير موكب وزيـر الداخلية المصري الأخير فبركة؟!. وهل تفجير خطوط الغاز وقتل المجندين في سيناء فبركة؟!. وهل الإفراج عن الخطيرين من سجون مصر في عهد الرئيس المخلوع فبركة؟!. أسئلة تجهد القلب والروح والعقل!.
مصر المصنوعة من التنويـر والفن والأدب والانفتاح والتعدد،لا تخضع للابتزاز، وغير قابلة للنكوص للخلف وإلى عصور الاستبداد ودويلات المماليك والفاطميين. أتذكر أن أحد المثقفين المصريين قال في (إيـلاف) ذات حوار عن مسألة (التوريث المصرية). بأن هذا لن يحدث في مصر. فمصر ذات التاريخ المدني العريـق تختلف عن غيرها.. مع مصر، ومع غضبة عبدالله بن عبدالعزيز واعتبار مصر خطا أحمر أيها المغامرون.. فلو سقطت مصر لا قدر الله في يد الاستبداد الديني مهما كان لونه وطعمه، فسوف ندخل في عصر طويل وعريض من التخلف وعدم الاستقرار.. ويبقى الجيش المصري علامة فارقة في الوطنية وفي كيفية الحفاظ على الدولة المدنية. ستنهض مصــر من جديد أكثر مدنية وقوة.