اذا تحدثنا عن التاريخ الغنائي في المملكة فإن الذاكرة التي تحمل الكثير من الاغنيات، ستتجاوز الكثير منها لتقفز في المقدمة اغنية (يا ريم وادي ثقيف) التي كتبها الامير الشاعر عبدالله الفيصل ولحنها الموسيقار طارق عبدالحكيم وغناها اكثر من صوت، منهم الفنانة اللبنانية نجاح سلام، والفنان محمد عمر.
(يا ريم) اغنية تحاكي الذكريات وتشعل الذاكرة بتلك المقطوعة الموسيقية والنص المكبله، الذي التصق بالجمهور العربي، رافضا الموت على عتبات الاغنيات المنسية، هي اغنية لم تخش الستائر المسدلة على بعض الاغنيات التي لم تأخذ شأنا كونها اغاني وقتية.
(يا ريم وادي ثقيف) اغنية تعبق تاريخا، فتسجل مرحلة البدايات التي اسست للاغنية المحلية قدما في مساحات الاغنية العربية، ولتأخذ روح المبادرة، وتنافس بالضوء الاول المعبر عن الاصالة، والتراث المسكون في دواخل فنانينا فكانت (يا ريم وادي ثقيف) افضل الخيارات التي اسهمت في تسليط الضوء العربي على نتاجنا الابداعي في مجال الاغنية ولتكون المحطة الاولى للموسيقار طارق عبدالحكيم في عالم التلحين.
ولذكريات اغنية (يا ريم وادي ثقيف) حضور حافل وتفاصيل تستحق الرصد وعبورها وتقديمها للقارئ ليعرف الكثير عن هذا العمل الناضج، ففي بداية الخمسينات الميلادية كان الامير عبدالله الفيصل يدرس في المدرسة السعودية بالطائف، وحظي الفنان الشاب طارق عبدالحكيم بصداقته في تلك المرحلة وقد لمح الجميع شغف (طارق) بالموسيقى واهتمامه بها..
وقد اعتاد الامير عبدالله الفيصل ان يعود مع طارق بسيارته الى منزله فيتبادلان اطراف الحديث عن الادب والشعر والفكر، (طارق) كان حريصا على سماع ما يكتبه الامير الشاب من جديد وذات ظهيرة اسمعه سموه نص (يا ريم وادي ثقيف) فأصيب طارق بحالة ذهول وانتابته حالة من سكون امام مفردات النص، وأخذه حسه الموسيقي المتنامي مبكرا الى فكرة قد يصوغ معها لحنا يتواءم مع طبيعة النص المتوهج. لم يأت مساء ذلك اليوم الا وقد وضع اللحن وحفظه في ذاكرته المتقدة، ففي تلك الفترة لم يكن (طارق) على دراية ومعرفة بكتابة النوتة ليكتب هذا العمل موسيقيا، وما هي الا فترة بسيطة ويغادر الى القاهرة ليدرس الموسيقى بمنهجية ويتعلم النوتة الموسيقية، فكان اول شيء يفعله هو كتابة (يا ريم وادي ثقيف) موسيقيا، الا ان وضعه كمنتسب للقطاع العسكري، حال دون ان يقدم الاغنية بصوته، كان حزينا لعدم تتويج الاغنية بصوته، الا ان هذا الحزن خفت حدته حين التقى في العاصمة اللبنانية (بيروت) بالفنانة نجاح سلام التي استمعت لنص الاغنية ولحنها واعجبت بهما وسجلت العمل هناك، فغنت الاغنية باتقان متناه وتم بثها في اذاعة صوت العرب كأول اغنية خليجية تبث في اذاعة عربية، واول لحن لطارق عبدالحكيم.
ثم توالت نجاحات الاغنية واصبحت تبث في كل اذاعة تولد وتغنى في كل ميلاد فني لصوت جديد، فغناها الكثيرون من الفنانين والفنانات الا انها كانت سمة في نجاح الفنان محمد عمر وقدمته للجمهور بشكل جيد، واسهمت في شهرته وبزوغ نجمه.
(يا ريم وادي ثقيف) لم تتوقف عند هذا الحد من النجاح والبقاء بل انها تجاوزت ذلك فأصبح لحنها يقدم من الفنانين الغربيين في العديد من الحفلات العامة، ليؤكد هذا العمل بقاءه وتجدده دوماً.