-A +A
إعداد: طالب بن محفوظ

وزعت المائة عام ونيف التي قضاها الأديب والكاتب والوزير حسن كتبي، والذي توفي يوم الخميس 15 ربيع الآخر 1433هـ (8 مارس 2012م)، بين طفولة عاشها في مسقط رأسه في مكة المكرمة حفظ فيها القرآن الكريم ودرس بها مراحل التعليم الثلاث قبيل المرحلة الجامعية، وابتعاث (ضمن منحة من مؤسس مدارس الفلاح الحاج محمد علي زينل لعدد من خريجي الفلاح المتميزين) بعد تخرجه من الثانوية إلى الهند لدراسة العلوم الدينية في مدارس الفلاح في بومباي (1348هـ)، والتدريس في مدراس الفلاح في مكة بعد تخرجه من الهند (1352هـ)، ورئاسته لصحيفة «صوت الحجاز» في مكة (استقال منها بعد حوالي شهر واحد فقط)، وتدريس القضاء الشرعي والأدب العربي في المعهد الإسلامي السعودي في مكة المكرمة (1353هـ)، كما عمل وزيرا للحج والأوقاف (1390 ـ 1395هـ /1970 ـ 1975م)، وتفرغه للأعمال الحرة، وتأسيسه للبنك الأهلي التجاري السعودي في القاهرة وعمله مديرا له (1375هـ).



تلك السنوات الطوال من حياة حسن كتبي حملت تجارب ملامح عصر وعطاءات جيل من الرواد، وشملت جولات عالمية ومشاركة في المؤتمرات الدولية المناهضة للشيوعية، وكتابات أدبية بفكر عميق وقلم متمكن، وإقامة في جنوب أفريقيا ومصر.

وكانت طفولة حسن محمد كتبي حسب طبيعة الحياة في مكة المكرمة التي ولد فيها وعاش بها طفولته، فيقول عن تلك المرحلة: «بساطة في كل شيء، فهي طفولة بكل معاني الكلمة، تظهر الفوارق فيها محسوسة بين طفولة الأطفال ــ آنذاك ــ وطفولتهم الآن، فلم يكن تلفزيون، ولا راديو، ولا فيديو، ولا كهرباء، ولا سهرات إلى منتصف الليل، ولا عوالم تشحذ بها أذهان الأطفال، ومرئيات ومسموعات تملأ آذانهم فتنتقل إلى أذهانهم فينامون عليها فتتجسد في عقولهم، وتتصور بصورة مختلفة حسب بيئاتهم». (عكاظ: 1/8/1419هـ).

ويكاد يكون حسن كتبي (توفي يوم الخميس 15 ربيع الآخر 1433هـ/ 8 مارس 2012م) من القلائل الذي اهتموا بتوثيق حياتهم تفصيلا؛ باليوم والشهر والعام، إلا أنه لم يتمكن من تدوين المرحلة الثانية من سنواته الأخيرة بعد استقراره وعزلته في بيتيه في المدينة المنورة ثم جدة، عقب انقطاعه للعبادة بجوار مسجد المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ في عمارة الأوقاف (قبل هدمها) المقابلة مباشرة للحرم النبوي، ثم انتقاله إلى جدة للسكن في «برج الفارسي» على الكورنيش؛ نظرا لظروفه الصحية التي تتطلب منه أن يكون قريبا من الجو البحري بين أبنائه وأحفاده وذويه.

تحدث عن دراسته العلوم الدينية العربية على يد علماء أفاضل في مكة المكرمة، قائلا: «كان للدراسة بين أيديهم والأخذ عليهم مذاقها الذي لا يمكن لتلميذ أن يتذوقه في هذه العلوم الآن، ولا أن يتذوقه في العلوم الأخرى في كل زمان، لم تكن هناك جامعات ولا دراسات أكاديمية، ولا تفوق علمي تضرب له الطبول وتعرف على جوانبه المعارف، ولكنه حلم يقظة ذهبي يشع بالنور والعزة والكرامة في تواضع وخشوع». (عكاظ: 1/8/1419هـ) وحسن كتبي سليل العائلة المكية المشهورة بالعلم والأدب المتوارث، له تكوينه الشرعي والعلمي والإداري، وأحد الذين رفعوا لواء التجديد في الحياة بطريقة «التفكير الإبداعي»، جمع بين الثقافة الإسلامية العالية والأدب الرفيع والإدارة الناجحة، وأحد رواد فن التأليف والكتابة.

وعن نشأة العلاقة بين أسرته (الكتبي) والمسجد الحرام، يقول كتبي عن ذلك: «هي كعلاقة كل فرد من أفراد مكة، فهم يعتبرون الحرم بيت ربهم الذي يأمنون فيه، ويلجأون إليه، وتهفو أرواحهم حوله، حتى أنهم يشعرون في تعلقهم به بالأمن والطمأنينة والحب الذي يفوق إليه لقضاء حوائجهم العارضة، فبيت الله هو البيت الروحي لأهل مكة وهو المفضل على بيوتهم التي يبيتون فيها».

وحفظه للقرآن الكريم رشحه منذ صغره ليكون إماما لأساتذته وزملاء دراسته في صلاة التراويح في المسجد الحرام عقب الصلاة الرسمية كتدريب له ولزملائه، ويقول عن ذلك: «أحسست في هذا الدور بأنني بلغت شأنا عظيما، وأي شأن أعظم من صلاة التلميذ الحافظ القرآن إماما لأساتذته وزملاء الدراسة». (عكاظ: 1/8/1419هـ)

وكتب عنه الأديب الراحل أحمد عبدالغفور عطار في مقالة كتبها في جريدة المدينة عام 1404هـ قائلا: «في تلك الأيام البعيدة منذ أكثر من نصف قرن ظهر السيد حسن محمد كتبي، فقد عاد إلى مسقط رأسه مكة ــ حرسها الله، وحرسه ــ بعد أن درس في الهند، إذ كان ونفر من خريجي مدرسة الفلاح صحبوا الرجل العظيم الحاج محمد علي زينل مؤسس مدراس الفلاح ليكمل لهم تعليمهم العالي على نفقته وهيأ لهم كل فرص الدراسة المثلى، وقد فتحت هذه الرحلة العلمية آفاقا جديدة للسيد حسن كتبي، وكانت تلك الفترة ــ منتصف القرن الرابع عشر الهجري وأواخر القرن الميلادي ــ موسم العبقرية في العالم كله، وغشي بلادنا رذاذ منه، فكان لدينا من صاروا روادا في الأدب والعلم»، ويضيف عطار قائلا «ولم يكن السيد حسن كتبي وهو يدرس في الهند الأدب العربي وأدب الهند بمعزل عن أدب بلاده، فقد كان على صلة بها؛ لأن مكتب الشيخ محمد علي زينل كان مشتركا في صحف بلاده وبعض صحف مصر وفرنسا وإنجلترا ومجلات الهند، وكان التزود من آداب هذه الأمم سهلا لشاب المكي الطلق السيد حسن كتبي الذي كان حريصا أن يتزود بكل جديد مهما كان مصدره، فلما عاد إلى وطنه كان متقدما على من كان به من الأدباء والكتاب الذي لم يفارقوا وطنهم، وصار رائد الرواد إذا التزمنا الحق في أحكامنا الأدبية» ــ (صحيفة المدينة: 20/3/1404هـ).

وقال عطار حول كتاب حسن كتبي «الأدب الفني»: «السيد حسن كتبي كاتب حجازي غزير المادة، وفي طليعة الكاتبين، وأديب كبير في مقدمة الأدباء، وكتابه الذي بين أيدينا يدل على سعة إطلاعه، وغزارة علمه، وعمق بحثه، ودقة درسه في الأدب العربي، وهو وحيد من نوعه لم يسبقه أحد من كتاب الحجاز أن يؤلفوا مثله». (صحيفة المدينة: 20/3/1404هـ).

اهتم بالفكر الإسلامي الرصين، وقال في أحد كتاباته حول ذلك: «الإسلام عقيدة ونظام، عقيدة روحية ونظام حياة، هو في حدود العقيدة إبراز للفضائل الإنسانية الكامنة في الفرد وصقلها وتغليبها على النزوات الفاسدة، والهوى الطائش، لإيجاد مجتمع يتألف من أفراد نافعين تربط بينهم الروابط الإنسانية على مستوى الفضائل والكمالات، كما أنه نظام حياة ينظم علاقات الأسرة والمجتمع، كما ينظم السلطات في الأمة تنظيما يكفل لها الحرية والحياة السعيدة ضمن النظام الطبقي الذي يقره هذا المبدأ العظيم».

وعاصر حسن كتبي ملوك المملكة العربية السعودية، وكان قريبا من الملك فيصل ــ رحمه الله ــ الذي اختاره ممثلا للمملكة في الاتحاد العالمي لمكافحة الإلحاد والشيوعية، وازداد قربه منه وإعجابه به وبإخلاصه ووطنيته وصراحته فاختاره وزيرا للحج والأوقاف،