-A +A
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر
تحويل الحرس الوطني إلى وزارة، بأمر سام كريم، يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تطوير أجهزة الدولة الفاعلة والمؤثرة في المنظومة الأمنية؛ من أجل حماية الوطن وتعزيز مكتسباته ونشر الأمن والأمان بين ربوعه والاحتفاظ بمناخ الاستقرار الذي تنعم به المملكة التي تعد جزيرة آمنة مطمئنة وسط محيط هادر تتقاذفه الأمواج العاتية من القلاقل، كما يعد ذلك استكمالا وتدرجا منطقيا في بناء المنظومة الأمنية التي أرسى دعائمها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ــ طيب الله ثراه ــ الذي أعطى الأمن أهمية أولى في بناء الدولة العصرية الحديثة التي غدت في مقدمة الدول المهمة والمؤثرة في صناعة القرار الدولي والإقليمي، بفضل ما تنعم به من استقرار ورخاء، وبما حباها الله من نعم اقتصادية . كما تسوسها قيادة حكيمة تدرك المخاطر والتحديات، وتضع من الخطط والاستراتيجيات ما يحول بينها وبين ما يحاك لها وللمنطقة من فتن إقليمية ودولية.
والمنظومة الأمنية في المملكة تعتمد على عدة ركائز تتمثل في وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، الحرس الوطني، ورئاسة الاستخبارات العامة جميعها تتكامل وتتعاون ولا تتنافس من أجل مصلحة واحدة وهي (أمن الوطن والمواطن)؛ لذلك فإن تحويل الحرس الوطني إلى وزارة هو إضافة إلى هذه المنظومة وبما لدى هذه الوزارة من إمكانيات بشرية، وعسكرية، وخدمية، وتواجد في كافة أرجاء الوطن، وضمن إطار من الانضباطية المعهودة عن الحرس الوطني سوف يمثل قوة داعمة لأمن الوطن وتأمين أبنائه، خصوصا أن الحرس الوطني له تاريخ طويل من العمل الأمني والعسكري والخدمي منذ أن أمر الملك عبدالعزيز آل سعود ــ طيب الله ثراه ــ بعد أن فرغ للتو من مهمة توحيد المملكة ــ بإنشاء مكتب الجهاد والمجاهدين في عام 1368هـ، الذي يعد النواة الأولى للحرس الوطني، ثم أمر في عام 1374 هـ، بتشكيل الحرس الوطني في المملكة، وقد مر هذا الجهاز بمحطات مهمة إلى أن تم تعيين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رئيسا للحرس الوطني ــ آنذاك ــ في عام 1382هـ، فكانت القفزة الحقيقية من الخيام إلى الثكنات، ومن التطوع إلى مؤسسة حضارية أمنية وعسكرية شاملة وعصرية، حيث قدمت هذه المؤسسة خدمات جليلة للوطن ولدول الخليج العربية، وتجلى ذلك في حرب تحرير الكويت مطلع التسعينيات الميلادية الماضية، وكذلك دوره الإيجابي في دعم استتباب الأمن بمملكة البحرين الشقيقة ضمن قوات درع الجزيرة في منتصف شهر مارس من عام 2011م، وقد قيض الله ــ سبحانه وتعالى ــ لهذه المؤسسة رجالا من خيرة أبناء الوطن تولوا شؤونها وقادوا مسيرة تطويرها عبر تاريخها الطويل، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ الذي جعله مؤسسة متكاملة وفقا لركائز حديثة متكاملة، وصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ ومعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري ــ يرحمه الله، ثم جاءت مرحلة تولي جيل أحفاد الملك عبدالعزيز مهام رئيسية في الحرس الوطني، وجاء هذا الاختيار وفقا لمعيار العلم والكفاءة، والذي توفر في صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز الذي تشرب العسكرية منذ نعومة أظافره، فتم إعداده لتولي المهام الكبرى لاحقا، وهو يعد نموذجا في الإعداد لهذه المهمة التي أتت به أول وزير لوزارة الحرس الوطني، فقد التحق سموه بكلية ساندهيرست البريطانية الشهيرة الذي تخرج منها برتبة ملازم عام 1974م، وعلى الفور عين بمدارس الحرس الوطني في الرياض، ثم أسندت له رئاسة اللجنة المكلفة بدراسة مناهج كلية الملك خالد العسكرية إبان تأسيسها، وتدرج في المواقع العسكرية إلى أن حصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية بتقدير امتياز، وكان ترتيبه الأول على دفعته، وحصل لاحقا على رتبة فريق ركن واستمر في مهامه التي تعددت ومواقعه التي تنوعت إلى أن صدر الأمر السامي الكريم بتعيينه وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني في عام 1431هـ، وهذه السيرة العسكرية الحافلة لسمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، والتي اقتبسنا منها جزءا وليس الكل، تؤكد أنه سموه شخصية عسكرية من الطراز الأول، حيث قضى كل حياته الوظيفية ومنذ فجر شبابه في القطاع العسكري، وقد نجح في كل المهام التي أوكلت لسموه، وأثبت كفاءة وتميزا يجعل المتابعين للشأن العسكري والأمني والمواطن السعودي يشعرون بارتياح لهذا الاختيار المناسب والذي يصب في دعم المنظومة الأمنية المتميزة للمملكة، والتي نجحت عبر تاريخها الطويل في تأمين الوطن، والحفاظ على حدوده وصيانة ترابه المقدس في وجه المتربصين والحاقدين الذين لن ينفذوا إلى معاقل هذا الوطن الحصينة أبدا بقدرة الله ــ سبحانه وتعالى ــ وبفضل الدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك.

وفي قناعتي أن المرحلة المقبلة سوف تشهد المزيد من التنسيق بين كافة ركائز المنظومة الأمنية والعسكرية بما يخدم المصلحة العليا للوطن، خصوصا أن المنطقة تموج في بحر من القلاقل، والتربص، ومحاولات بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ونشر أيدلوجيات تحت مسميات كاذبة ووهمية من أجل صراع قومي عقيم، أو بذر بذور فتن طائفية عابرة ومعروفة، حيث يريد أصحابها أن يروجوا لها للاتجار بعقول البسطاء، أو إلهاء شعوبهم عن ما تعانيه دولهم من سوء إدارة، أو فشل في السياسة الداخلية والخارجية، وبغية النيل من الدول المستقرة والآمنة التي تنعم بالاستقرار والرخاء.
هذا التنسيق القائم والمستمر والذي يتبعه التدريب والتأهيل لكافة الكفاءات الأمنية والعسكرية السعودية هو صمام الأمن للفرد السعودي في هذه المنظومة التي تعتمد على انتقاء العناصر الوطنية المتميزة، والتي تتعهدها هذه المنظومة بالرعاية والتدريب والتأهيل المستمر، ويضاف إلى ذلك التسليح المتنوع والمناسب والحديث بما يناسب مهام كافة التشكيلات العسكرية والأمنية، خصوصا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين لا تبخل بشراء أحدث الأسلحة والمعدات لتأمين البر، والبحر، والجو لكل شبر من أرض هذا الوطن، وبالإعلان عن وزارة الحرس الوطني سوف يزيد التنسيق في اختيار نوعية الأسلحة وتوزيعها على التشكيلات كل في موقعه وحسب المهام الموكلة إليه، وأعتقد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد وضع المزيد من الاستراتيجيات الأمنية، سواء فيما يخص التدريب والتأهيل، أو التعاون الفني، أو التسليح وتثبيت المهام للتشكيلات الأمنية والعسكرية المختلفة للاستفادة من خبرات وإمكانيات وزارة الحرس الوطني التي كانت موجودة فعلا كجهاز فاعل ومؤثر، والتي تحولت إلى وزارة بما يضيف إلى منظومتنا الأمنية والعسكرية قدرات جديدة لحماية وطننا ومكتسباتنا، وهو ما يجعلنا دوما نشعر بالاستقرار والطمأنينة في ظل تكامل وليس تنافس بين أجهزة الدفاع والأمن في المملكة.