يثير سر التباين واختلاف المستوى المعيشي والخدمي بين الأحياء الجنوبية والشمالية الاستفهام في كثير من مناطق ومدن العالم، وكذلك بين المواقع الشمالية والجنوبية في بقاع جغرافية كثيرة، فالجنوب منسي دائما، بينما تحظى الاتجاهات الأخرى لا سيما الشمالية منها، بنصيب وافر من الاهتمام والرفاهية.
ولعل ذلك هو السبب الذي دفع الروائي السوداني الشهير الطيب صالح إلى كتابة روايته العالمية (موسم الهجرة إلى الشمال)، والتي تحكي قصة الشاب المهاجر من جنوب إفريقيا إلى الشمال حيث أوروبا، التي تلقى تعليمه فيها وقضى جزءا من حياته هناك.
فكيب تاون عاصمة جنوب إفريقيا على سبيل المثال، تسجل فيها الجهات الأمنية ارتفاعا كبيرا لمعدل الجريمة في أحيائها الجنوبية، والتي يقطنها الآلاف من الأسر الفقيرة، وتنعدم فيها البنية التحتية والمقومات الأساسية لحياة مدنية متحضرة، وقس على ذلك العديد من المدن العربية، فالقاهرة العاصمة المصرية تعد أحياؤها الجنوبية أحياء فقيرة يسكنها معدومو الدخل والأسر الفقيرة على عكس أحيائها الشمالية التي تعد أرقى الأحياء من الناحية التنظيمية والتنموية ونوعية السكان وغالبيتهم أصحاب سلطة ونفوذ. ويرى مختصون اجتماعيون أن التباين الواضح بين الأحياء الجنوبية والشمالية للمدينة، سببه الثقافة الاجتماعية، فهم يؤكدون أن الاتجاه الحقيقي للمدن هو الشمال، بينما الجنوب منسي دائما وتغيب عنه الخدمات لأسباب اجتماعية تحديدا أكثر من أي شيء آخر.
ويذهب البعض إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المدن بعينها، فإذا ما تجاوزنا هذا المستوى المحلي، فإننا سنجد الحال نفسه على مستوى الدولة في كثير من الأقطار والأقاليم العالمية، فأمريكا ورغم إمكانياتها المادية الهائلة وقدرتها على تطوير الخدمات لجميع مواطنيها، تجد أن المدن الجنوبية فيها لا سيما المتاخمة لحدودها مع دولة المكسيك، تشهد تنمية شحيحة بشكل كبير، وتكاد تغيب في بعضها، ويذهب آخرون إلى مستويات أبعد من ذلك، فعلى المستوى الأقليمي نجد أن دول أمريكا اللاتينية تختلف عن دول أمريكا الشمالية، فالبراجواي، البرازيل، المكسيك، وفانزويلا لا يمكن مقارنتها مع أمريكا وكندا من النواحي الخدمية والإمكانيات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والعسكرية.
ويتفق خبراء اجتماعيون على أن الثقافية الإنسانية هي التي عكست تلك المستويات المتدنية من الخدمات والاحتياجات الضرورية للمواقع الجنوبية في المدن والدول والأقاليم، وباتت ثقافة سائدة يتداولها الناس على مر العصور.
ونفس الحال يتكرر في مدينة جدة التي باتت تدهش زائريها لأول مرة، فثمة أمر عجيب واستحالة للمقارنة بين أحياء كالروابي، كيلو 14، غليل، الهنداوية، المصفاة، وكثير غيرها من جهة، وأحياء كالمحمدية، الشاطي، المرجان، أبحر من جهة أخرى، حيث تعد الأحياء الأولى نموذجا لتدني الخدمات الضرورية، غياب الرقابة العامة، العشوائية المفرطة، وتدني المستويات المعيشية للسكان، فقل أن تجد فيها أسرة يزيد دخلها المادي على 10 آلاف ريال شهريا، وغالبية سكان تلك الأحياء من الوافدين أو المهاجرين من الأرياف والقرى المجاورة للمحافظة، بينما نجد في الوجه الآخر للمدينة أحياء تتكامل فيها النواحي التنظيمية والخدمية.
ورصدت «عكاظ» في جولة على أحياء جدة الجنوبية، أحاديث المواطنين عن غياب الكثير من الخدمات الضرورية، بدءا من الخدمات البلدية كالطرق المنظمة والنظافة العامة للشوارع والميادين، وليس انتهاء بمستويات السكان المادية والاجتماعية، حيث تبين أن غالبية ساكني الأحياء الجنوبية من ذوي الدخول المحدودة فما دون.
وبالمقابل، تجد الفرق بينا وواضحا في الأحياء الشمالية من المدينة بحيث لا يمكن إجراء مقارنة منصفة بين هذه الأحياء وتلك، حيث لا سبيل إلى مقارنة أحياء اكتملت فيها الخدمات منذ سنوات عديدة، حتى باتت الشوارع فيها خالية تماما من النفايات والمخلفات بأحياء جنوبي جدة، والتي يطالب سكانها بالالتفات إليهم، ومساواة أحيائهم بالأحياء الشمالية التي تنعم بجميع الخدمات، الضرورية منها والكمالية.
وتأكيد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة على حرصه أن تكون أحياء جنوب وشرق جدة أجمل من الحي الذي يسكنه، وأن تتوافر فيها شبكة خدمات متكاملة ومشاريع خدمية حقيقية تراعي سلامة المواطن والمقيم أولا، وتشعر الساكنين بالرفاهية، أعاد الأمل من جديد في أن تحظى الأحياء الجنوبية بإعادة التخطيط من جديد، وأن تحظى بتوفير جميع الخدمات التي أصبح ساكن الجنوب في أمس الحاجة إليها..
وعندما قال أمير مكة «لا يهمني أن يكون حي البساتين الذي أسكنه أجمل حي، بقدر ما يهمني أن ننقل أحياء جنوب جدة وشرقها إلى أحياء نموذجية، تتوافر فيها الخدمات كافة بيسر وسهولة، ما يمكن سكانها من عيش حياة كريمة»، رسالة واضحة إلى جميع المسؤولين بضرورة أن يضطلعوا بمسؤولياتهم، وأن يباشروا أعمالهم لأداء واجبهم اتجاه سكان جميع الأحياء عامة.
جـدة .. جـنـوب منـسي وشـمــال مــرفـّه
13 مارس 2011 - 03:07
|
آخر تحديث 13 مارس 2011 - 03:07
جـدة .. جـنـوب منـسي وشـمــال مــرفـّه
تابع قناة عكاظ على الواتساب
سعود البركاتي ـ جدة