صدر المجلس مصطلح يعبر عن مكانة من يحتله حينما يكون مكان التجمع مشغولا. ولذلك يكون التسابق إلى ذلك المكان واضحا من قبل الذين يريدون أن يكونوا قريبين ممن سوف يحتله بسبب كبر سنه، أو مكانته الوظيفية، أو انتسابه الأسري، أو تأثيره الاجتماعي وما إلى ذلك.
وهو أيضا اصطلاح يتطلبه تقدير الأفراد طبقا لصفاتهم المؤقتة (كالوظيفة مثلا) أو الدائمة مثل المكانة العلمية، أو المركز العائلي.
ولا غرابة فيما يحدث في كل مجتمع من مصطلح يستخدمونه لتقدير الشخصيات، إلا أن المشكلة تكون عندما يفرض شخص نفسه على المجلس دون أن يكون هناك توافق بين إحساسه بمكانته وإحساس الآخرين بذلك.
وهنا تبرز حقيقة قالها أحد المشهورين بعلمهم ومكانتهم عندما دخل ـ متأخرا في الحضور ـ على المشاركين في ذلك المجلس، إذ دعاه كثير من الحاضرين كل يريد أن يتنازل له عن الكرسي، الذي كان يجلس عليه، فكان رده: «صدر المجلس حيث أجلس» وفعلا تحققت رؤيته حيث تحول مكان جلوسه الذي انتقاه في آخر الصف إلى مركز مؤثر في قيادة الحديث وترتيب ما كان مقررا «أو متوقعا» حدوثه عند اكتمال النصاب الحضوري.
وهذا يعني أن المرء إذا عرف قدر نفسه فلن يؤثر فيه أين يكون مكان جلوسه؛ لأن الذي احتل صدر المجلس رغبة في البروز سوف يكون ضيفا ثقيلا لدى البعض، أو يكون مقدرا حينما كان صامتا، إلا أن مداخلة منه سوف تظهر حقيقيته أمام من لم يكونوا يعرفونه من قبل أو كانت معرفتهم به ظاهرية.
في حين أن ذلك الذي جاء متأخرا ـ وأصر على الجلوس حسب تسلسل حضوره ـ سيكون مهمشا من كل من لا يعرف حقيقته العلمية أو مهاراته أو قدراته الاقتصادية. ولكن عندما تتركز الأنظار عليه من قبل الآخرين أو عندما يقول رأيا ستغير النظرة اليه عندما تبرز مكانته.
ويصبح صدر المجلس هو الذي أصر على الجلوس فيه القادم الواثق من نفسه.
ولذلك نرى الواثقين من أنفسهم لا يضعون وزنا للمكان الذي يجلسون فيه، وإنما يثبتون حقيقتهم من خلال تأثيرهم، ودرجة الاستماع إليهم عندما يتحدثون، إذ أن الذين يظنون أن المكان هو الذي يحدد مكانة الشخص يرون أنفسهم قد سلبوا ما سعوا إليه وإن كانوا متربعين فيه.
ومثل ذلك من يتربعون على كرسي الرئاسة ـ مثلا ـ وهم غير مؤهلين بالقدر الكافي يكون كرسيهم الذي احتلوه وبالا عليهم عندما يتركونه. ففي الدول الديمقراطية، قد يوجد شخص محظوظ أو شخص ثري استطاع التأثير على الناخبين ولا تتضح حقيقته إلا بعد أن يحتل صدر المجلس، ويكون ذلك بعد فوات الأوان، بينما يوجد من بين المنافسين من هم أكثر جدارة، ولكنهم أقل حظا، ويكون الضحية هم الذين أعطوه أصواتهم بشكل خاطئ أو بعضهم غير دقيق لتوقعاتهم.
ولذلك، فإن الثقة بالنفس والتصرف طبقا لتلك الثقة إنما هما تعزيز للمكانة الحقيقية لمن لا يسعى إلى البروز من خلال المظاهر مضحيا بالعوامل الحقيقية لتكوين سمعته المبنية على قدراته العقلية وشفافيته ونقاء سريرته؛ لأنه لم يكن لديه من هذه العوامل ما يرفد تطلعاته، وسوف تتضح حقيقته سواء رضي أم لم يرض.
رحمك الله يا شيخ حمد الجاسر، الذي عزوت الجملة أعلاه إلى مكانتك العلمية وإحساسك بحقيقتها وتصرفك طبقا لذلك، بحيث بقيت حيا طيب الذكر مرجعا في كثير من المواقف والحقائق حتى بعد أن لقيت ربك.
وبارك الله في من خلفتهم ممن أحيوا ذكرك وكرموا محبيك والمعجبين بأخلاقك ومؤهلاتك.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 112 مسافة ثم الرسالة
صدر المجلس حيث أجلس
20 فبراير 2010 - 21:04
|
آخر تحديث 20 فبراير 2010 - 21:04
تابع قناة عكاظ على الواتساب