هناك أغنيات مكتوبة بحبر الشجن وموقعة بسمفونية الصدق.. اغنيات لا تعرف معنى الرحيل من الذاكرة تظل تداعب وجدان المتلقي وترفض ان تمضي في «عربة» الوقت والنسيان، وذلك لأنها نابعة من فيض الابداع ولا يمتلك معها المتلقي إلا أن يردد «ياسلام».. فترتسم في خاطره مثل ملح الدهشة.. «في خاطري شي» لطلال مداح من كلمات الامير سعود بن خالد والحان محمد المغيص.. هذا البوح الجميل جاء في أوج التنافس وماراثون إبهار المتلقي بين القمتين طلال مداح ومحمد عبده، كانت (في خاطري شيء) رداً على رائعة محمد عبده «ليلة خميس» من كلمات الامير خالد بن يزيد والحان عمر كدرس، حينما كانت ليلة خميس على كل لسان.. اغنية بحرية تحلو معها أمسيات السمر ويرددها العشاق وانتشرت في الوطن العربي.
في حينها اشتعل الراحل طلال مداح حماساً بروح المنافسة الشريفة من خلال طرح نص ابداعي ولحن مغاير وظل مسافراً بين جدة والقاهرة والمغرب، فعندما كان طلال في القاهرة بانتظار هاتف من احد شعرائه أو ملحنيه يبشره بالاغنية الحلم إذ طرق الملحن محمد المغيص بابه.. وبعد لحظات كان المغيص يدندن بأغنية في خاطري شي ولحظتها صاح طلال مداح.. وجدتها وجدتها!!
...انها من كنت أبحث عنها.. وطلب من المغيص ان يردد اللحن فرسخ في ذهنه.
وعن ذلك يقول المغيص «أبو عبدالله حينما سمع الاغنية وتشبع باللحن سألني بطريقته العفوية المحببة قائلاً: هل يحكي هذا النص ما في «خاطرك» يا مغيص أم ما في «خاطري».
فقلت له يحكي ما في خاطر الجميع يا ابو عبدالله.
واضاف كان طلال يستعجل تنفيذ هذا العمل وفعلاً تم تسجيله في ستديو (46) بمبنى التلفزيون المصري، وذلك تحت اشراف الموسيقار هاني مهنا، وفعلاً استطاعت الاغنية ان تربك ليلة خميس ونافستها في وجدان المتلقي الامر الذي جعل طلال مداح يرتاح لها، بعد ان «داخ» وهو يبحث عنها.. وعن ذكرياته مع هذه الاغنية قال المغيص: اذكر إنني استلمت النص في عام 1398هـ وللتو وضعت «الميلودي» في جدة فيما قمت بتلحين الكوبليه الاول في مدينة الرباط بالمغرب والمقطع الاخير في جازان ولحن هذا النص على مقام «الرصد» على «الري» وقد اعجب به كل من عبادي الجوهر ومحمد عمر وحاولا الحصول عليه ورغم «محبتي» لهما الاّ ان الفنان طلال مداح حرص ان تكون هذه الاغنية من نصيبه.
حتى ان ملحن ليلة خميس الراحل عمر كدرس اذكر انه ذكر لي انه حينما كان يستمع الى اغنية «في خاطري شي» وهو بالسيارة فقد كان يصاب بحالة من السرحان ولا يفيق الا على اصوات ابواق السيارات لكي يفسح لهم المجال للعبور، وهكذا عبرت في خاطري شي واصبحت حكاية ترويها موسيقى الشجن وتذرف دمعة من الماضي حينما يتسلل صوت طلال مداح ويتسلق شجرة الوجدان بلحن التطريب.