اليوم نحن في تهامة عسير التي ترتبط بمرتفعات المنطقة عن طريق عقبة ضلع.. هذه العقبة التي تحدثنا عنها في الحلقات الاولى من هذه الجولة.فتهامة عسير تشبه كثيرا تهامة قحطان.. خصوصا في لباسهم التقليدي.. مع اختلاف بسيط في اللهجة.. لكن العادات تظل هي العادات رغم الجبال الشاهقة التي تفصل التهامتين عن بعضها.وتظل الظروف المناخية هي نفس الظروف.. والمعاناة من السيول وغزارة الامطار عامل مشترك بينهما.
تهامة عسير.. وتهامة قحطان من المناطق التي توليها امارة منطقة عسير وجميع الادارات الحكومية التابعة للمنطقة اهتماما كبيرا .. وقد عملت مراكز النمو التي تبرع بها اهل الخير على استيعاب اعداد كبيرة منهم لكن هذه المراكز مع امتلائها بالتهاميين الا انها لا تستطيع ضمان وجود وظائف لشبابهم الذين يتوقفون عن الدراسة وعن مواصلة تعليمهم او الاميين الذين منعتهم ظروف تنقلهم من الدخول للمدارس.. رغم انتشار التعليم في اماكن متفرقة في تهامة عسير وتهامة قحطان حيث يتلقى ابناؤهم وبناتهم تعليمهم في المدارس التي تقع في اكثر الاماكن سكانا.. وبالاضافة لذلك توجد المراكز الصحية واحيانا المستشفيات في تلك المجمعات.. كما ان هناك فرقا صحية تنتقل بالطائرات العمودية الى الاماكن التي لا تصلها السيارات لتقدم الخدمات الصحية لهم .. ومع ذلك فانك لا تلتقي باحد في تلك المناطق الا ويطالب بمدرسة ومركز صحي بجوار مسكنه.. وقد حلت تلك المطالبات بايجاد وسائط نقل تستخدم لاحضار الطلاب والطالبات صباحا واعادتهم بعد انتهاء اليوم الدراسي الى اماكن تجمعاتهم.
مدرسة حاطب بن ابي بلتعة الابتدائية في «مسفل حلالي» بتهامة ضلع مبنى جميل يطل على جزء من عقبة ضلع ويضم 35 طالبا فقط يقوم بالتدريس لهم سبعة معلمين بينهم مدير المدرسة.. مدرسة بكاملها فصولها الستة ومعلميها السبعة مع مديرهم لتعليم 35 طالبا فقط.. هؤلاء الطلاب موزعون على جهتين واحدة باتجاه نهاية عقبة ضلع من ناحية «الدرب» بمنطقة جازان في قرية «المفجر» وما جاورها من قرى.. والجهة الاخرى باتجاه ارتفاع عقبة ضلع في قرية تسمى «مسفل حلالي».
وصلت الى مدرسة حاطب بن ابي بلتعة في الحادية عشرة والربع صباحا فوجدت مجموعة من الطلاب عددهم لا يتجاوز عشرة طلاب يلعبون الكرة في الوادي الذي تطل عليه المدرسة.. استقبلني الطلاب وفراش المدرسة اما المدير والمعلمون فقد غادروا.. حيث انتهاء اليوم الدراسي الذي يبدأ مبكرا جدا خصوصا ان زيارتي هذه لم يكن معدا لها.. وتوقيتها جاء مع نهاية العام الدراسي الذي انتهى قبل شهر تقريبا لكن فراش المدرسة مفرح يحيى الربعي قام بالواجب حيث قال بأن عدد الطلاب 35 طالبا وان نصفهم تقريبا قد غادروا مع «النقال» الى ناحية «مسفل حلالي» باتجاه الشمال.. والنصف الاخر ها هم يلعبون بالكرة أمامك بانتظار عودة «النقال» ليأخذهم الى مكان تجمعهم في الناحية الجنوبية عند قرية «المفجر».
كان الصغار يمتلئون حيوية وهم يتحدثون معي حديث الرجال.. رغم شقاوة سنهم الصغير وتأثير بعضهم على البعض الآخر.. لم يكن السن مقياسا لتواجد بعضهم في صف دراسي قد يكون اصغر من سنه وقد اكون مخطئا لاني قدرت ذلك من طول الطالب ولم اسأل عن عمره الحقيقي.. يكاد الطلاب جميعا يكونون من اسرة واحدة.. او هكذا اظن فأسماؤهم هي: يحيى محمد مفرح في السنة الثانية ورفدان يحيى رفدان بالسنة الثالثة ومحمد يحيى رفدان بالسنة الرابعة ومفرح محمد مفرح وسلطان محمد رفدان بالسنة الخامسة وعائض محمد مفرح بالسنة الثالثة.. مدرسة بكامل تجهيزاتها مفتوحة لخمسة وثلاثين طالبا من اسرتين او ثلاث اسر تقريبا.. ومع ذلك فان فراش المدرسة طلب منا أن ننقل للمسؤولين في ادارة التعليم بمنطقة عسير بفتح مدرسة للطالبات وقال بأن في القرية «حلالي» التي تقع فيها مدرسة البنين الخمسة والثلاثين يوجد حوالى 100 بنت يحتجن للمدرسة.. وعندما سألته عن دور «النقال» في نقلهن الى المفجر قال بأن هناك نصف البنات يذهبن الى هناك.. ولا ادري ان كان يبالغ في العدد لكنه وبحساب النسبة والتناسب اتوقع ان يكون هناك حوالى 40 بنتا كما ان هناك 35 طالبا.
الطلبات مستمرة
في الدوائر الحكومية في ابها حيث يجمعها مكان واحد بالقرب من مقر امارة عسير يحضر مئات المراجعين من تهامة للبحث في طلباتهم من فتح مدارس وشق طرق وانشاء مراكز صحية او خزانات مياه.. وتحاول الادارات الحكومية المركزية في ابها ان تسدد وتقارب كما يقول احد المسؤولين في امانة منطقة عسير.
على الجانب الآخر من تهامة عسير في احد المرتفعات ايقضنا علي حوبان جابر حامدي من قيلولته فقد كان منظر بيته غريبا بعض الشيء وكان مكونا من خليط من الخشب والاشرعة والحجر المبني على الطريقة القديمة.. «علي حوبان» شاب يمتلئ حيوية سألته عن افراد اسرته فقال بأنها تقيم في ابها في شقة مستأجرة وهو يذهب اليها في نهاية الاسبوع ويحضر اخوه لتسلم مكانه.. وقال بأن لديه اخوين اخرين يدرسان في مدارس ابها احدهما في المرحلة الثانوية.
أما عن ارتباطه بالمكان فقال بأنه واسرته دائمو الترحال بحثا عن الماء.. وعن المكان المناسب لتربية اغنامهم.. والدة علي حوبان مصابة بفشل كلوي ووجودها مع والده واخوته في ابها سببه ترددها على المستشفى هناك لغسيل الكلى.
ويصر علي حوبان على بقائه في مكانه.. وقال بأنهم قد اشتروا مساحة ارض في مكان مرتفع وقد تم تمهيده بواسطة «التركتور» بقيمة خمسة الاف ريال والمكان جاهز للانتقال اليه لكنه بنفس المواصفات اي بالخشب وشيء من الاشرعة لاستخدامها كسقف وقال بأنه لن يترك بيئته لانه مرتبط بها.. وهو ليس بعيدا عن المدينة اذ لديهم سيارة «عراوي» اي وانيت لتنقلاتهم.. ويبع اغنامهم في اسواق ابها او الدرب.
النهاية
بهذه القصة تنتهي جولتنا في عسير المنطقة الحيوية التي تمتلئ هذه الايام بالاف الزوار الذين يقصدونها للاستمتاع بجوها الجميل ومناظرها الخلابة.
منطقة عسير .. درة الجنوب التي تسابق زمانها رغم صعوبة تضاريسها.