معظم القادة والمديرين يحرصون على تواجد الموظفين في إداراتهم في بداية الدوام الرسمي ونهايته، دون النظر إلى كمية الأعمال المنجزة منهم خلال اليوم، حتى من خلال التفتيش والجولات الميدانية المفاجئة، تتركز معظمها على مدى حرص الموظف على الحضور والمغادرة في الأوقات المحددة، حتى أصبحت المؤسسة والإدارة عبارة عن سجن وظيفي كبير، مع تسريح مشروط يعود بعدها الموظف في وقت محدد ليثبت وجوده.
هل نحن فعلا يهمنا تواجد الموظف خلف طاولته إذا تكدست الأوراق والمعاملات في أدراج مكتبه، أو تناثرت الملفات على الأرفف وزوايا دواليبه؟
هل يهمنا تواجده إذا كان يقضي وقته في تصفح الصحف، أو يغوص في صفحات الانترنت؟
وهل يعتبر وجوده مهما وهو يتجاذب أطراف الحديث مع زملائه، ويحتسي الشاي والقهوة؟
وهل يهمنا تواجده إذا كان يغلق باب مكتبه بهدف تناول الإفطار أو اجتماع خاص أو لإنهاء مكالمة مهمة؟.
لماذا لا نسأل ما هو المطلوب من وجود هذا الموظف؟ حتى نحقق أهدافنا بشكل صحيح وبشكل يخدم المؤسسة، أو الإدارة التابع لها -إذا كان الهدف هو إنجاز أعمال- فلا بد من أن يكون هو المقياس الذي نقيس به كفاءته، وإذا كان يستطيع إنجاز الأعمال المناطة به بمقدار 100 في المائة في ساعتين، فلماذا نرغب في إبقائه 8 ساعات إذا كان إنجازه سيتدنى فيها إلى 20 في المائة.
الموظف عندما يشعر أنه سجين الوقت وكأنه عامل يحاسب بالساعة، لن يستطيع أن يعطي أكثر، بل على العكس، سوف يراكم الأعمال لأنها ستصبح روتينا مملا من الممكن ترحيلها لليوم الذي يليه، وسيقع في الحالة المزاجية، والمؤثرات النفسية الخارجية لقضاء أي عمل، وبالتالي سيصبح الضحية صاحب المعاملة الذي سيدخل في دائرة الواسطة لينجز عمله، أو يدخل في أنفاق مظلمة لا يرى متى يخرج منها.
وكمثل للنجاح المبني على هذه الرؤية، إحدى المؤسسات الأمريكية لم تكن تشترط حضور الموظف في وقت، وخروجه في وقت معين، بل كانت تطلب منه إنجاز أعمال يومية معينة قد لا تتعدى الساعتين وبعدها هو حر في وقته، ويتم تقييمه على أساس هذا الإنجاز، وهي تعتبر الآن من أنجح المؤسسات في الولايات المتحدة.
لا بد من النظر إلى هذا الموظف كإنسان لديه طاقات محددة، ولديه ظروف اجتماعية ومادية ونفسية، ولا يمكن تحويل الوظيفة إلى سجن متى اضطرته هذه الظروف للاستئذان توقف العمل لينتظره، وكأن المؤسسة بنيت على هذا الموظف فتصبح مصيبته كارثة على الآخرين.
لا بد أن نعرف أن المؤسسة هي التي يتوجب عليها التعامل مع الناس، وليس الموظف، فمصالح الناس وأعمالهم لا ترتبط بإنسان، بقدر ما ترتبط بالتنظيم وهي كالقنوات إذا أحسن هيكلتها وتوزيعها يسهل المرور والعبور من خلالها، والقائد أو المدير لهذه المؤسسة هو اللاعب الرئيسي في هذه القنوات.
والموظف ليس إلا أداة تنجز العمل في الوقت المطلوب، وقد يتحول إلى عائق يسد إحدى هذه القنوات لأسباب قد يطول شرحها، فنحن إذن بحاجة إلى أن نفهم ماذا نريد من الموظف إنجازه، وهذا لا بد أن يكون الهدف الرئيسي للمؤسسة والإدارة وليس الموظف نفسه الذي ندخله في قوائم العقوبات وأنظمة تجعل العصا تتدلى فوق رأسه، وكأننا في القرون الوسطى لأسياد المقاطعات.
القائد والمدير بحاجة إلى التحرر من التبعية، والارتقاء للأهداف المرسومة للمؤسسة أو الإدارة، وزرعها في الموظفين بحيث يشعرهم بأنهم جزء منها ويساندهم لتحقيق الهدف المطلوب منهم، ولنتذكر دائما بأن الإنسان مجموعة عواطف وأحاسيس والموظف ليس إلا بشرا يمتلك ما يمتلكه الآخرون.
عبدالله عايش العلوني
عميد بحري ركن متقاعد