-A +A
سعيد رافع - تنومة
ورد اسم تثليث في كثير من كتب التاريخ والتراث القديمة مثل كتاب « معجم ما استعجم » للبكري وكتاب « معجم البلدان» لياقوت الحموي وكتاب « صفة جزيرة العرب » للهمداني وغيرها، وكل تلك الكتب تحدثت عن تثليث كبلد وكواد كبير وذكرت أنه من أهم محطات القوافل لحجاج شرق اليمن وحضرموت ونجران، وأن هذا البلد كان كثير المياه والقرى والسكان. استوطنت تثليث عدد من القبائل العربية القديمة مثل بني عقيل وبني نهد من قضاعة وقبائل مذحج القحطانية ومنها قبيلة مراد من زبيد التي ينتمي إليها الشاعر الفارس والصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي الذي كان يسكن تثليث عندما ظهر الإسلام فوفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وحسن إسلامه، وكان لذلك الشاعر حصن ونخل في تثليث إذ ذكرت ذلك الكثير من المصادر التاريخية عند الحديث عن سيرته وفروسيته وسيفه الشهير ( الصمصامة ) الذي توارثه الكثير من الخلفاء واحدا بعد الآخر، وعمرو شاعر مجيد ورد اسم تثليث في كثير من أشعاره، كان أهل تثليث من السباقين الأوائل الذين طبقوا نظرية الاستقرار أو ما سمي بالهجر واستقرار البادية، وكانت أول وثاني وثالث هجرة خارج منطقة نجد في تثليث سنة 1333هـ تقريبا وهذه مثبتة بوثائق وتواريخ مثل هجرة المدينة والغزالة والنقرة والتي تعتبر نواة لمركز محافظة تثليث الحالية وتحتوي على جميع الدوائر الحكومية وهي واحدة من أهم المحافظات على ضفتي وادي تثليث العملاق التي تلفها المزارع وأشجار النخيل والإبل مع إصرار أبنائها على العمل لملاحقة ركب البناء مع المحافظة على الأصالة والموروث العريق.



الاسم والموقع

حسب محمد سعيد سبره محافظ تثليث اكتسبت اسمها من التقاء ثلاثة طرق نجران ونجد والحجاز، وقيل ثلاثة أودية بيشة وتثليث ووادي الدواسر.

تثليث قديما كانت موضعا في بلاد بني عقيل وقيل أنها أرض شجيرة (أي كثيرة الأشجار) وقال الهمداني: تثليث واد في نجد وهو على مسيرة يومين من جرش شرقها وثلاث مراحل من نجران وقال: إن تثليث لبني زبيد وفيها مسكن عمرو بن معد يكرب الزبيدي. والمتتبع لشعره يجد أن أسماء المواضع التي وردت فيه جميعا تقع حول تثليث ولا تزال تعرف بأسمائها القديمة.



السكان وأحوالهم

عدد سكان محافظة تثليث أكثر من سبعين ألف نسمة يتركز معظمهم في وسط البلد والقرى المحيطة القريبة ويتوزع الباقون في القرى والهجر التابعة للمحافظة.

ويزاول الكثير من أبناء المحافظة مهنا مختلفة حسب الشيخ ذيب بن نايف بن عبود شيخ قبائل آل مسعود مثل: الرعي للبدو والزراعة للقرويين والتجارة لسكان المدينة ويتوزع الكثير منهم في مدن المملكة المختلفة للعمل في الوظائف المختلفة.

ويضيف بن عبود: إن الأنشطة التجارية تتعدد في المنطقة حيث تكثر الأسواق فيها بشكل كبير فهناك سوق الاثنين والثلاثاء الكبيران داخل مدينة تثليث وسوق الخميس في الصبيخة وسوق الأربعاء في الأمواه وسوق الجمعة في الحمضة وسوق الأحد في عين قحطان وكلها قرى ومراكز تابعة لمحافظة تثليث.

الشيخ جعفر آل شري شيخ قبيلة المساردة بتثليث أوضح أن حوض تثليث الذي يمتد من مركز الحمضة جنوبا إلى مصب وادي الثفن شمالا يقدر بحوالى 90 كيلو مترا يعتبر المجمع الأعظم لسيول روافد تثليث الكبرى التي تأتي في مقدمتها أودية الثفن والرسين وجاش، وهذه الأودية التي تشكل ما يشبه ثلاث زوايا وعلى مسافة تكاد تكون متساوية ترفد وادي تثليث من جهة الغرب، وكل أودية تثليث تنحدر سيولها من جبال السروات، على سبيل المثال نجد أن مصب وادي تثليث تبدأ من قمة جبل محلاة غرب مدينة ظهران الجنوب وتنتهي في رمال المختمية حول وادي الدواسر بطول يقدر بحوالى أربعمائة كيلو متر، بل إن واحات وادي الدواسر كانت تشكل في الأزمنة السحيقة امتدادا طبيعيا لوادي تثليث فهي عبارة عن سهول واسعة تتخللها كثير من الأودية والشعاب التي تشكل مجموعة من الواحات والروابي الصالحة للزراعة، وتحيط بها النجود والوهاد والحزوم والكثبان الرملية المتنوعة.

وفي كل الاتجاهات توجد الجبال والهضاب والأحراش التي تنبت أجود المراعي والأشجار خصوصا عند هطول الأمطار، حيث تكتسي الأرض بالخضرة، وتورق الأشجار وتطيب المرابع ويكثر التنزه بين أحضان الطبيعة.



الآثار و المتنزهات

يشير فهد القحطاني أحد الأعيان أن وادي تثليث كان وما زال موطن حضارة واستقرار منذ الأزل وكل الدلائل تؤكد ذلك. ولعل أهم هذه الدلائل الآثار التي تنتشر في كل مكان من أرجاء الوادي الكبير وروافده العديدة وهي آثار لا يعرف لها تاريخ محدد ولكن معظمها يدل على أنها موغلة في القدم منذ العصور الجاهلية الأولى. وآثار يدل رسمها على أنها في صدر الإسلام وأخرى في عصور متأخرة.

ومن هذه الآثار بقايا الجدران الحجرية وأطلال قلاع وحصون طينية وسدود من الحجر والطين والرمال ومقابر جماعية وآبار يقال عنها الآبار الجاهلية وجداول مياه تجلب من أماكن إلى أخرى وما يعرف بآثار التعدين وهي كثيرة كانت تستخرج منها أصناف من المعادن مثل الذهب والحديد والرصاص والفضة وذلك في العصور الجاهلية وفي عصر الدولة العباسية. ومن الآثار أيضا الكتابات والنقوش التي تنتشر بكثرة في جبال تثليث خصوصا جبال شرق تثليث وهذه النقوش والرسوم تتميز بالدقة والإتقان وتدل على عراقة وحضارة مزدهرة في عصرها وهذه الكتابات جميعها إلا ما ندر كتابات جنوبية حميرية وسبأية.

وهناك آثار مستوطنة قديمة في وسط حوض تثليث قرب منهل برودان ( البردان سابقا) لم يبق منها إلا أطلالها ورسومها، ومساحتها في حدود كيلومتر طولا و800 متر عرضا وكل جدرانها دائرية على شكل إسطواني وهذا النمط كان سائدا قديما إذ كانوا يحرمون المباني المربعة التي تضاهي شكل البيت الحرام في مكة المكرمة وظل ذلك التحريم حتى بنى عبد المطلب بن هاشم منزلا مربعا.

أما المنطقة الأثرية التي تبعد عن مدينة تثليث حاليا حوالى 25 كم جنوبا فيرجح أنها كانت المركز الحضاري الأول لوادي تثليث.

وكانت تثليث من أهم محطات القوافل المتجهة من شمال وشرق اليمن ومن حضرموت ونجران إلى الحجاز والشام في الجاهلية والإسلام، وقد ذكر الهمداني في « صفة جزيرة العرب » وصفا لمحجة حضرموت حيث أشار إلى ثلاث محطات رئيسية هي الهجيرة التي تعرف الآن باسم الجعيفرة وتثليث التي تقع آنذاك قرب منهل برودان وجاش القديمة وهي مليئة بالآثار منذ زمن سحيق وذات حضارة مستمرة حتى الآن وكل هذه المحطات تقع على نسق واحد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ويتناقل الناس عن قدمائهم فيما يشبه الأساطير أن وادي تثليث قديما كان مليئا بالمياه والمزارع والسكان وأنهم كانوا يتناقلون أخبار المواليد والأخبار الأخرى في أوقات وجيزة من الجزء النجدي في الشمال إلى الجزء الحجازي في قمم الجبال وأن ذلك بسبب كثرة السكان وازدحامهم، إلى أن أتتهم سيول مدمرة قضت على كل شيء.

ووادي تثليث من أكبر وأطول الأودية الشرقية لسلسلة جبال السروات إذ يمتد من غرب ظهران الجنوب حتى وادي الدواسر شرقا بطول يتجاوز الأربعمائة كيلومتر ويرفده أكثر من ستين واديا من أهمها الأودية الثلاث وهي وادي الثفن، وادي جاش، ووادي الرسين وهذه الأودية الثلاثة التي ترفد تثليث على مسافات شبه متساوية من ناحية الغرب ربما تكون سببا في تسمية تثليث بهذا الاسم ووادي هذا شأنه من حيث الحجم والموقع والامتداد لا بد أن يكون مهدا لحضارات قديمة سادت في عصور غابرة ثم بادت في عصور أخرى ثم عادت للظهور مرة أخرى في العهد السعودي الزاهر خصوصا وأن هذا الوادي العظيم من أكبر الأماكن ملاءمة للتحضر والاستقرار لعدة أسباب أهمها: وفرة المياه وخصوبة التربة واتساعها واعتدال المناخ.



المعالم الأثرية

وأوضح محمد بن ناصر بن دحلان - من سكان المحافظة - أن تثليث تضم العديد من المعالم الأثرية ومنها:

- قلعة الجعيفرة: الواقعة بين الحمضة و الأمواه والتي تبعد 75 كم من مدينة تثليث وكــان سكانهــا من أسرتي عاديان وسقم من قبائل مذحج القحطاني الأصل، وهناك أطلال بيوت حجرية و أسوار وسدود وآبار قديمة في الموقع ذاته، الجعيفرة الهجيرة قديما والقريبة من منجم الـذهب في الحمضة.

- نجد الرحى: الواقع على بعد 5 كم شرق برقاء جاش في أعلى شعيب العاصد وهو عبارة عن أطلال بيوت حجرية قديمة وأواني حجرية كالرحى والصحون وغيرها و آبار منحوتة في الصخور ربما تكون مناجم قديمة لاستخراج المعادن الثمينة ويذكر أن ألوان حجارة هذا الموقع غريبة في لونها الناصع البياض والاحمرار والأرجواني وقد زارها المستشرق الإنجليزي فيلبيس .

-أبو ديام: ويقع غرب بلدة جاش على بعد 5 كم تقريبا ومنه أطلال غرب قديمة ومسجد صخر كبير في الجبل القريب منه وهناك على طول امتداد وادي جاش وتثليث بقايا بيوت مبنية من الطين والحجارة بعضها قديم جدا لا يعرف عنها أي شيء، وكان للصحابي عمر بن معد يكرب حصن ونخل في جاش وهو من قبيلة ( مراد) من زبير بن كعب بن الحارث ومنهم أسرة عبد المدان الذي امتد ملكهم من ضواحي جاش وتثليث حتى نجران.

- جرف علياء: الذي يقال: إنه كان المكان المفضل لعلياء التي أحبها زيد الهلالي في قصص السيرة الهلالية.

- مساحة شاسعة تقدر بـ 10000 كم مربع من الجبال والأودية شرق محافظة تثليث بثلاثين كيلو مترا تمتلئ بالنقوش والصور بلغات مختلفة وقديمة تحتاج إلى من يكشف أغوارها ويفك رموزها.



مراكز التنمية الاجتماعية

محمد معيض بن عبود رئيس اللجنة الاجتماعية بالمحافظة أوضح أن رسالة اللجنة هي الارتقاء بالمواطن وبيئته من خلال تفعيل دوره في المجتمع بمنظور شامل وأسلوب إبداعي وكفاءة عالية ومن أهداف اللجنة الترابط الاجتماعي بين سكان مدينة تثليث والإسهام بقدر الإمكان في علاج المشكلات والظواهر السلبية والعمل على رفع المستوى الاجتماعي العام وتنمية روح التفاعل الاجتماعي وتطوير البيئة المحلية للمحافظة على مكتسبات الوطن والعناية بالشباب من الجنسين وتلمس احتياجاتهم وتوفير البيئة السليمة لممارسة هواياتهم لحمايتهم من الانحراف الفكري والانحلال الأخلاقي وتقديم برامج تربوية وترفيهية وترويحية لقطاع الأطفال وبمشاركة الأمهات لتقديم برامج نوعية لهن والاستفادة من الخبرات والطاقات البشرية ودمج كبار السن والمتقاعدين في العمل الاجتماعي.



المقومات السياحية

يقول بندر الشهراني رئيس الشئون الفنية في بلدية المحافظة: إن تثليث تجمع بين كثير من المتناقضات نظرا لتنوع طبيعتها الجغرافية، فهي تشمل على عدد من الجبال الصخرية ذات التكوينات المميزة والتي تصلح لممارسة رياضة تسلق الجبال، كما تحتوي على بحور من الرمال التي يمكن أن تستضيف راليات السيارات، كما أنها مهيأة لاستضافة بعض سباقات الفروسية، وخاصة ما يعرف بسباقات التحمل.



مشاريع التنمية

رئيس بلدية محافظة تثليث محمد بن عبد الله السهلي أوضح أن المحافظة تعد من أكبر محافظات منطقة عسير من ناحية المساحة حيث تشكل ثلث مساحة المنطقة بنسبة 39.7 % وتقع بين كل من وادي الدواسر شمالا على 200 كم وخميس مشيط جنوبا على بعد 200 كم وبيشة غربا على بعد 120 كم ونجران شرقا على بعد 400 كم. ويتبع لها ما لا يقل عن 353 قرية واثني عشر مركزا إداريا، حيث يحدها من الشمال الغربي منطقة مكة المكرمة ومنطقة الرياض ومن الشمال منطقة الرياض ومن الجنوب محافظة أحد رفيدة وخميس مشيط ومن الجنوب الشرقي منطقة نجران ويحدها من جهة الشرق منطقة الرياض ويحدها من الغرب محافظة بيشة ومن الجنوب الغربي خميس مشيط .

وقد حظيت المحافظة والمراكز التابعة لها بتنمية شاملة حيث تم اعتماد 20 مخططا حكوميا داخل مدينة تثليث به 3577 قطعة أرض إضافة إلى 9 مخططات بالمراكز الإدارية بها 3731 قطعة فيما تم منح 7308 قطع للمواطنين ويجري حاليا إنهاء إجراءات منح الأراضي في مخططات مدخل تثليث بما يقارب 7000 قطعة كما حظيت محافظة تثليث بعدة مشاريع في كافة المجالات حيث بلغ إجمالي المشاريع المنفذة حتى نهاية 1428هـ (220) مليون ريال مشتملة على سفلتة وإنارة وأرصفة وتسوير مقابر وتحسين وتجميل وإنشاء حدائق وتسمية وترقيم ودرء أخطار السيول وإنشاء مبان بلدية (مبنى البلدية، مركزحضاري، سوق خضار، سوق نساء، مباني الخدمات) فيما تم اعتماد مراكز النمو لكل من الأمواه، القيرة، الزرق، الحمضة، ومدها بأعمال السفلتة والإنارة والخدمات الأخرى، ويجري حاليا إنهاء إجراءات اعتماد مراكز نمو لكل من حبية، تثليث، الصبيخة، بيضان، مريغان، كحلان و العين، آل حميدان وربة وسيقوم سمو أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز بتدشين ووضع حجر الأساس لخمسة مشاريع بتكلفة إجمالية بلغت 27,000,000 كما بلغ إجمالي تكلفة المشاريع الجاري تنفيذها والمشاريع المعلن عنها للعام الحالي 125,500,000 ريال. وفي مجال الاستثمارات تم طرح عدد من المواقع الحكومية للاستثمار بما يقارب 4,000,000 ريال.

وفي مجال صحة البيئة تقوم البلدية بنقل ما يقارب 200,000 طن من النفايات في السنة، من المحافظة والمراكز الإدارية، وزراعة ما يقارب 30,000 شتلة سنويا، وصيانة وتشغيل 10,000 عمود إنارة.