(قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق )، هذا هو المثل الرائج الذي يشهر في وجه أي مدير أو مسؤول أراد معالجة وضع موظف غير كفء أو متسيب أوخامل، والمثل يروج في أوساطنا المجتمعية بشكل واسع، ويشل بشكل كبير قدرة أي إداري ناجح يود أن ينهض بعمله بالشكل الصحيح، ولكي يواجه أولئك المقصرين الذين استمرؤوا العمل غير المنتج. والإشكالية الأكبر أن من يردد هذا المثل يرجعه لأصول من شرعنا المطهر، ويعطيه غطاء شرعيا يجعل المثل يتردد على كل لسان، وحتى لو قام المدير بما تمليه واجباته الإدارية بمعاقبة المقصر والخصم عليه، أو إبدال غير الكفؤ ترتفع العقائر بكارثية هذا العمل، وأن الله لا يرضى بذلك، فـ (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) بات سيفا مسلطا في الإدارات والمؤسسات.. ملحق (الدين والحياة) استشرف آراء بعض الشرعيين ورجال الأعمال حيال شرعية هذا المثل دينيا وإداريا عبر هذا التحقيق:
لا أصل له شرعا
الدكتور عوض القرني المفكر والباحث الإسلامي استهل حديثه قائلا: إن ما اندرج عند كثير من الناس في هذا المثل وما اعتقدوا فيه لاصحة له بتاتا ولا أصل له شرعا، والسبب أن الأرزاق والأعناق وسائر الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى وليس كما هو واضح من هذا المثل فالله سبحانه وتعالى يقول ( قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ) ويقول جل شأنه ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) وقال تعالى ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فالأقدار كلها بيد الله سبحانه وتعالى ولا نقاش في ذلك.
وأضاف: الناس لا يملكون قطع الأرزاق ولا الأعناق إلا إذا أمر الله سبحانه وتعالى بذلك، فإذا أذن ربنا بشيء فلا يستطيع أحد من الناس أن يقف على ذلك أبدا، وما أفهمه من هذا المثل أن الناس قادرون ويملكون التأثير على رزق الإنسان بينما هو العكس تماما، وبالتالي لا صحة لهذا المثل حتى من ناحية شرعية، فالله سبحانه وتعالى قد نزع هذه الصلاحية من البشر وجعل للإنسان السعي والحركة والبحث والله مقدر له الأسباب فإذا سلك المخلوق هذه الأسباب وصل بعون الله إلى المسببات والآية تبين لنا ذلك وتأمرنا بالسعي لكسب الرزق يقول تعالى
( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ).
وبين د.القرني أن البعض قد يستخدم هذا المثل فيما لايصح كأن يأكل أموال الناس بالباطل خوفا على رزقه أو أن يقدم الإنسان أحدا من البشر في أي عمل غير مناسب، وهو غير كفؤ لشغله الوظيفة التي يقوم بها، والوضع لايسمح له في هذا الموضع. فيضيع بعد ذلك الحق، وبالتالي سيتكرس الفشل، وهذا فيه مخالفة لقول الله سبحانه وتعالى ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) لأن على الإنسان أن يقدم صاحب الكفاءة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى عليهم أحد منهم وفيهم من هو أرضى لله منه لم يجد رائحة الجنة ) لذا لا يجوز أن يولي صاحب المنصب أحدا بسبب القرابة أو الصداقة .
الرزق كعتق الرقاب
رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى الدكتور عبد الله دحلان بين أن المثل الذي اندرج على ألسنة الناس لا يقصد به كما يعتقد البعض على أصحاب الحقوق وإنما هو تنبيه لأولئك المتعسفين الذين يحرمون أصحاب الحقوق من حقوقهم ولا يعطون الأجير أجره.. فإن هذا أمر خطير ويساوى بقطع الرقاب، وقد قيل هذا المثل ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) حتى يبين أهمية وعظمة التعرض لأرزاق الناس والحرص كل الحرص على المحافظة عليها واجتناب إلقاء الضرر فيها سواء كان ذلك مباشرة أو غير ذلك.
و قال: إن رزق الإنسان مهم في الحياة حتى أنه جعل مساويا في بعض الأحيان لعتق الرقاب , وإن ذلك يدل على الأهمية الكبرى التي تدفعنا جميعا للحفاظ على حقوق الناس وأرزاقهم وأن يعطى كل أجير أجره.. وقد يؤكد أن على صاحب الأمر سواء كان صاحب عمل أو مديرا أو وكيلا أن يحرصوا على حقوق الناس وأرزاقهم, إلا أن كثيرا ممن أخذتهم سطوة الكرسي أو كثرة المال يتصرفون وينسون أن وراء بعض الأعمال أشخاصا يترزقون وينسى المتعسفون أن التعسف في استخدام الحق يؤدي أحيانا إلى قطع الأرزاق .
ويبين أن في هذا المثل رسالة لكل من له سلطة أو مال ألا يؤثر على أرزاق الناس وليعلم أنها عظيمة كعتق الرقاب.
وأكد د. دحلان أن المثل ليس فيه دعوة إلى الكسل والخمول كأن يطمئن الإنسان على عمله وإنما هناك جزاء وعقاب بالإمكان اتخاذه على المقصر على ألا يصل العقاب إلى مرحلة قطع الأرزاق ,لافتا إلى أن الإنسان لابد أن يعلم أن عمله فيه مقابل مادي ومن لا يؤدي حق العمل فعليه أن يعلم أن المال لا يستحقه.
وأضاف: ينبغي على صاحب العمل أن يحرص على حق العامل فالأعمال الخاصة في المؤسسات وشركات الإنتاج ليست أعمالا خيرية وإنما يترتب على صاحب العمل حقوق لمن يعمل في مثل هذه المؤسسات فليس بالطبع هو مكان خيري لا مقابل له.
مبينا أن هناك أشخاصا لا يعملون ويطالبون بالمقابل، فليعلم أولئك أن أخذ مثل هذا المال فيه إثم . وهذا المثل ليس فيه تقديم الكفاءة على غيره بل إنه لوقف أعمال المتعسفين وتنبيههم إلى عظمة المحافظة على أرزاق الناس وتوفير من ليس لهم عمل واضاف: ومن انطبق عليه نظام الفصل من عمله لمخالفته للأنظمة فعليه أن يتحمل نتيجة تقاعسه.
وبين عضو مجلس الشورى أن النظام يطبق أصلا على المتقاعسين وهو موضوع من قبل ولي الأمر وعلينا أن نلتزم به، لافتا إلى أن فصل أي موظف خامل بسبب مخالفته النظام لا ينطبق عليه هذا المثل لأن النظام الحقيقي لا يعرف مثل هذه الأمثلة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ), بل إن بقاء الموظف الخامل أو غير الكفؤ في منصبه خطأ كبير.
مختتما حديثه قائلا: إن الأنظمة لاتعرف مثل هذه الأقوال الشعبية.
حرمان المسلم
أما أستاذ الفقه بجامعة الملك فيصل والداعية المعروف الدكتور قيس المبارك فقال: لا أعلم أن هذه العبارة تعد مثلا عند العرب، غير أنها من الكلام المشتهر على الألسنة ودارجة عند العامة، أما ظاهرها فهو التحذير من التسبب في قطع أرزاق الناس، ولا ينبغي أن نظن أن الناس يحملونها على ظاهرها فالناس لايقصدون أن قطع أعناقهم مقدم على قطع أرزاقهم.
وحذر المديرين والمسؤولين من التسبب في قطع رزق الإنسان بدون وجه حق، مبينا أنه إذا لم يجد مبررا لهذا الفصل فإنه قد تسبب في حرمان أخيه المسلم من رزق كان متاحا له وعليه أن يتذكر أن الله سيجازيه على ذلك.
واختتم د.المبارك حديثه قائلا : الأصل ألا يتولى الأمور إلا أقدر الناس عليها وعلى تحقيق ضرورياتها وتوفير حاجياتها ولابد من الخبرةِ حتى يتم القيام بها على الوجهِ الأكمل.
فقهاء ورجال أعمال يؤكدون بعدم شرعيته
« قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق » تكريس للفشل والخمول
7 يناير 2009 - 23:16
|
آخر تحديث 7 يناير 2009 - 23:16
« قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق » تكريس للفشل والخمول
تابع قناة عكاظ على الواتساب
محمد المصباحي – جدة