والد عادل الحوشان يحمله في سنواته الأولى.
والد عادل الحوشان يحمله في سنواته الأولى.




عادل الحوشان مع والده.. اهتمام واعتزاز متبادل.
عادل الحوشان مع والده.. اهتمام واعتزاز متبادل.
عادل الحوشان
عادل الحوشان
-A +A
حاوره: علي مكي ali_makki2@
الطفل الذي دفعه والده إلى الهاوية ولم ينسَ أن يمد له أجنحة، ما زال يحرث الحياة دفاعاً عن أحلامه التي لا تتوقف عن الخذلان ولا يملّ من مواصلة زرعها في كل مكان يحط فيه.

غامر كثيراً، شاعراً وكاتباً وروائياً وإعلامياً، ولكن المحطة الأهم في سيرته ومسيرته هي صفة الناشر السعودي الذي كسر هيمنة الدور العربية في تبني الأصوات السعودية ونشر الأعمال المضيئة وتبني نشر الأعمال العالمية المهمة.


كل هذه المسيرة وما يحيط بها من طفولة الحياة حتى خمسينية العمر، وضعنا تساؤلاتها أمام ضيفنا الروائي والشاعر والناشر عادل الحول الحوشان، فجاءت إجاباته كما ترونها في نص الحوار التالي:

• عادل ابن الذاكرة الأولى، ماذا تبقى من ذاكرة الطفولة؟

•• أنا معلّق بآبائي لأسباب جوهرية، على الأقل بالنسبة لي، تبدأ بالقيم التي حافظوا عليها، ولا تنتهي بفلسفة الحياة التي سلكها كل واحد منهما بطريقته الخاصة، وأعني من عايشت منهما، أبي وجدي لأبي.

جدي كان إقطاعياً هائل النفوذ، وأحكي عن رجل ولد عام 1300 للهجرة تقريباً، وعايشته في التسعينات منها. لكنه لم يستعبد أحداً، بل كان جميع من يعمل عنده يعمل بأجر، وهو حرّ في البقاء للعمل أو تركه.

أما أبي فقد ولد بعد ذلك بخمسين عاماً تقريباً.

كل ذلك حدث في منطقة نجد وصراعاتها، على الأقل في مرحلة الأب الأول منهما.

ولك أن تتخيل أن انشغاله بعائلته؛ وأعني الأول منهما، أبعده عن كل ما يحدث، لذا استقرت العائلة في زراعتها وأصبحت مصدراً لرزق العديد من سكان المنطقة من البادية المحيطة حولها. ومن سكان البلدات والمدن في سنوات الجوع، ويوجد ما يثبت ذلك من الوثائق التاريخية.

حدث خطأ ما، لا نعرف أسبابه، لكننا وقتها لم نهتمّ حيث مضى على تاريخ حدوثه ما يقارب 50 عاماً منذ بدأنا نعلق في طبيعة الحياة التي بدأنا في معايشتها.

في الرياض، التي ولدت وعشت فيها، لم تكن هناك أي مظاهر لافتة للنظر، الأبواب بلا أقفال في الغالب، والسلك المعدني من «مزلاج» الباب إلى ثقب في معدنه، لمن أراد أن يفتحه من الخارج، البيوت المتلاصقة، الشوارع الضيقة التي تصلنا بكل البيوت التي نعرفها، المدرسة الابتدائية، التي لا يعنينا منها إلا نهايتها، لكي نستعد للذهاب بقية الأشهر لنعيش مع أقراننا في إقطاعيات هائلة الاتساع بناسها وعوالمها ورجالها ونساء يفقن الرجال بأفعالهن.

هناك حيث «الفلاحة» يتغيّر كل شيء، نتحوّل من نصف أبناء مدينة إلى قرويين نجمع المحاصيل، ونرعى مع الرعاة وننام في سطوح البيوت. بالمناسبة لا يزال اسم البيوت التي يجمعها سورٌ واحد «القصر».

في عالم الجدّ كان الجميع عمالاً، الكل خلق للعمل، ورغم ذلك ما زلت مديناً لما تركته فيَّ شخصيته التي لم تؤذِنا في يوم من الأيام بقدر ما اكتسبنا منها لمواجهة الحياة وقيمة العائلة وتحصينها من الفجائع.

في الطفولة ما زلت معلقاً ببعض أسماء من علموني في مدرسة عبدالله بن الزبير، أحمد إمام، مدرس التربية الرياضية الحاصل على الحزام الأسود وهو يضربنا بمشط قدمه دون رحمة.

الدهلاوي مدرس اللغة العربية الذي يجبرنا على الحضور عصراً لنتعلّم كتابة كلمة «هؤلاء»!

حوش «ابن سعيد» الذي يقع خلف أحد فصولنا وهو يحاول استخراج الجنّ من ضحاياه.

النوفل الذي زاملته لاحقاً في التعليم.

ما زلت أزور الأماكن نفسها كل عام، لا متحسراً ولا حزيناً ولا لائماً، إنما أزورها لكي أتذكر ما أستعد لخزنه وكتابته.

ولا تلمني على الإسهاب فأنت من جرّني من رأسي لمنطقة هي مهمتي الآن.

• كيف تصف علاقتك بوالدك؟

•• نتبادل الأدوار، الأب الآن 86 عاماً، وأنا أشعر بالغبطة كلما زاد الرقم وكأنه ابني وأبي في آن، الرجل الذي رعاني وأرعاه بكل حب العالم وعرفانه، بينما يقاوم هو كل هذا، بالعيش معتزاً بسنواته وقدرته على هزيمتها.

كنت قد قلت علناً إن من أعظم ما فعله لي أنه دفعني للهاوية بيديه، ولم ينسَ أن يمدّ لي أجنحة، منذ أن كنا صغاراً وهو يقول الحياة لكم وعليكم أن تجربوا قسوتها لمواجهة كل ما يحدث.

منذ أن كان عمري 14 عاماً وأنا صديقه الذي يعرف عنه كل شيء، من هذه الصداقة الممزوجة بالأبوّة والبنوّة صارت بيننا علاقة معقّدة على الوصف.

قد يحدث مثل هذا لغيري، وقد يبرّ الأبناء بآبائهم، وقد تكون المرحلة التي ولدنا فيها أنا ومن هم في عمري، تتصف بشيء من هذا، لمن تمكنوا من العيش مع آبائهم كل هذا العمر، لكني اعتبرها السعادة الكبيرة التي منحها لي الله.

• بدأت شاعراً شعبياً وغبت تماماً، لماذا؟

•• غبت عن القصيدة العامية؟ إذا كان السؤال يعني ذلك، فالقصيدة التي كتبناها في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات انتهت.

كنا نكتب القصيدة الحديثة، وكانت هناك موجة هائلة في تجربة حداثة الشعر العامي، ووقتها بدأت بعض الصحف المحلية بالاهتمام بهذه التجربة؛ منها صحيفة الرياضية والمدينة وعكاظ واقرأ والبلاد.

هذه الموجة أسست مجلات متخصصة في الشعر الشعبي، بدأت بالغدير، نايف الحربي وخلف الحربي، ثم المختلف بناصر السبيعي، ثم تلتها مجموعة أخرى من المجلات، كانت أبرزها مجلة فواصل لطلال الرشيد.

ولتأسيس مجلة فواصل قصة لم نذكرها مطلقاً، فقد أسست مع الشاعر سعد الهمزاني منتدى اقترحنا أن يكون في أحد المقاهي في مدينة الرياض وكان معنا وقتها الشاعر عناد المطيري، وكلاهما حي، يكون مفتوحاً للجميع ويحضره من يريد أن يحضره، ذلك لم يدم طويلاً، حيث دعينا عند طلال الرشيد -رحمه الله- بعد أن عرف عن هذه اللقاءات واقترح أن تكون في منزله.

نقلنا اللقاءات لمنزل طلال، وتطور الأمر من حيث الحضور، شعراء من كل المشارب، وشخصيات مهمة وكبيرة، من هذه اللقاءات بدأنا في جمع كل ما يقال في «ملزمة» توزع في الأسبوع الذي يليه، وأطلقنا عليها «السبتية».

منها نشأت مجلة فواصل، لكننا لم نستمر أنا وسعد وعبدالله نور رحمه الله، لأسباب متفق عليها.

بعد انقطاعنا بأشهر أُعلنت «فواصل» وكانت بأسماء لم تكن تحضر السبتية، أو حضرتها بعد انقطاعنا، محمد جبر، وفهد عافت ومسفر الدوسري شفاه الله، لم يستمر هذا الفريق طويلاً، ستة أعداد على ما أذكر، ثم اتصل طلال بي وبسعد ليستعين بنا في استمرار المجلة، وافقت ورفض سعد.

أدرت المجلة لما يقارب 10 أعداد، وكان ذلك في عام 96 إلى أن اختلفت مع مالكها حول أمور فنية وتغيرت هويتها تماماً.

نعود إلى الصحف اليومية، في صحف المنطقة الوسطى كانت هناك صحيفتان نائمتان عن مسايرة ما يحدث في تجربة الشعر العامي وقصيدته الحديثة، لذا كان علينا أن نحدث انقلاباً نجاري فيه ما حدث في صحف المنطقة الغربية، فكان أن اتفقت مع سعد الهمزاني، وكانت لقاءاتنا شبه يومية، أن نحاول، وكانت صحيفة الرياض هي الأقرب، حيث كانت هناك ربع صفحة تهتم بالتراث الشعبي، فذهبت للعمل بها، وأقنعت المشرف عليها، الأستاذ نايف العتيبي بأن نجعلها صفحة كاملة وأتكفل بكل موادها.

ومنها بدأنا نحرر الصفحة من البيت في غالب موادها، وحتى صفحة القراء كنا نكتب قصائدها ونعلّق عليها، يكتب سعد وأعلق وأكتب ويعلق سعد، مع الاعتذار لأبي تركي لأنه يعرف ذلك لأول مرة.

لم يستمر ذلك طويلاً، فتوقفنا ولكل أسبابه، إلا أنني تنقلت بعدها للعمل مع القسم الثقافي مرات مع عبدالإله العصار ومع الفن مرات وعبدالعزيز الجارالله، وانتهى الأمر، وكانت هذه مرحلة ما قبل «فواصل».

صارت كتابة القصيدة العامية على استحياء إلى أن بدأت ثورة الإنترنت عام 97؛ وهي بالمناسبة مرحلة فارقة بمعنى الكلمة. بعدها بدأت بكتابة بعض النصوص الشعرية والانشغال بالعمل الروائي الأول.

سبقته مرحلة تأسيس منتدى طوى الإلكتروني عام 2002 الذي سبق أن قلت إنه كان «تويتر» السعودية، ونجحنا في جعله كذلك رغم كل ما يقال، إلا أنه ابن المرحلة وعبّر عنها بكل صدق وواجه الصحوة والتنظيمات التي كانت تتبنى الإرهاب بكل قوة إلى أن انتهى مع نهايات عام 2004.

• تجربتك مع الراحل سعود الدوسري كانت فارقة، ماذا تتذكر منها، ولماذا لم تكمل المشوار؟

•• التجربة التلفزيونية تجربة -بلا شك- ثريّة، وتختلف كلياً عن تجربة الصحافة سواء كانت ورقية أو الكترونية، و«طوى» الإلكتروني كان إحدى صيغ التجربة الإعلامية والصحفية.

الذي رشحني للعمل رئيساً لتحرير برنامج «من الرياض» لقنوات «أوربت» قرر أن يعمل تحت إدارتي، وهو الصحفي وقتها فارس بن حزام، وكان وقتها صحفياً في المنطقة الشرقية بينما من المقرر أن يكون البرنامج في الرياض.

حين عرفت أن البرنامج سيقدمه الراحل سعود الدوسري، وافقت مباشرة لسببين؛ الأول أن سعود سينجح البرنامج، والآخر أن التجربة التلفزيونية مغرية للخوض فيها كتجربة أولى.

كانت إدارة القناة تراهن -ولك أن تتخيل 2004 صعوبة الأمر- أن تخرج مقدمة سعودية في البرنامج.

ناقشنا الكثير من القضايا الملحة والضرورية في وقتها، مثل الإرهاب، والصحوة، وحقوق الإنسان، قضايا كانت تهمنا وقاتلنا من أجل أن تكون قضايا رأي عام.

لكن إدارة القناة الفنية التي كان مقرها في لبنان لم يرُق لها الأمر، مثلما لم يرُق لها أن يبدأ «سعوديون» في دخول قناة يديرونها.

وبدأ التضييق حول قضايا البرنامج، وانسحب فارس ثم انسحبت ناهد باشطح وهما فريق الإعداد، وحين تم تدريب بدلاء سعوديين، اعترضوا في لبنان وأعلنت انسحابي اعتراضاً على ذلك في اليوم نفسه.

لم يدم البرنامج طويلاً بعدها ولا أعرف سبب إيقافه.

لكن التجربة مع الراحل سعود كانت ثراء لا يمكن نكرانه ولا نسيانه.

• أسست «منتدى طوى» وكان الأهم مع «جسد الثقافة» ثم كالعادة غبت تماماً عن هذا العالم، ما القصة؟

•• مع الفارق طبعاً بين ما يطرح في كل منهما.

حكاية تأسيس «طوى» أنه بعد إعلان الناشرعثمان العمير إيقاف «منتدى إيلاف» بعد ما يقارب 6 أشهر من تأسيسه تقريباً، كان لا بد من مواصلة المشوار، خصوصاً أننا كنا نعاني من تنظيمات إرهابية وفكر في غاية الظلامية والرعب، وأصبح لدينا مشروع للوقوف في وجه كل ما يهدد أمننا وسلامة المجتمع كله من طغيان الصوت الواحد، إما برفضه والوقوف ضده إن كان إرهاباً، أو بمحاورته إن كان فكراً قابلاً للحوار.

واضطررنا للاستعجال بالأمور الفنية وكان معي شريكي في العمل لتولي الأمور الفنية عبدالرحمن بن مطرب.

فأعلنّا الانتقال من «إيلاف» إلى «طوى»، الذي نجح باستقطاب معظم الأسماء التي كان لديها موقف واضح في مجابهة موجة الإرهاب التي تبنتها إلكترونياً منتديات ذات طابع متطرف.

حاولنا الحوار معهم، وتعمدنا استقطاب أسماء إما تتصف بموقفها الوطني أو بموقفها الإسلامي المعتدل في حوارات موسعة متيحين الفرصة للجميع بطرح أسئلتهم.

في الوقت نفسه، وجهنا الدعوة لبعض رموز الفكر المتطرف الذين رفضوا جميعهم الحوار.

لم يعلن ذلك من قبل وأقوله هنا للمرة الأولى.

حاول الكثير من متبني فكر القاعدة والصحوة الإساءة لـ«طوى» بكل الوسائل المتاحة وواجهنا في «طوى» هجمات اختراق كانت تتم كل يوم وكل ساعة، ولأسباب ليس هذا هو الوقت المناسب لروايتها تم إيقاف «طوى».

لكني أريد أن أذكر أننا في «طوى» قدمنا كل ما لدينا من وقت وجهد ومال من أجل أن نوقف وجه الإرهاب القبيح عن حياتنا وأعتقد أننا نجحنا في إطلاق صوتنا بكل جرأة وشجاعة، رغم ما حدث بعد ذلك.

والرواية الحقيقية لإقفال «منتدى طوى» لم تروَ بعد، ولم يحن الوقت لذكر كل أحداثها.

• روايتك «مساء يصعد الدرج» كانت مختلفة ولكنها للأسف يتيمة، لماذا؟

•• لأن الكتابة ليست سهلة، في الأدب إذا لم تكن لديك مسؤولية متعلقة بما تقدمه على مستوى التجربة، فعليك أن تفكر ألف مرة بالتوقف وإعادة التفكير.

ليست كل حكاية يجب أن تروى، وليست كل فكرة يجب أن تكتب، التجريب على مستوى الكتابة مهمّة في غاية الصعوبة، والسرد مثله مثل كل الفنون، إذا كنت ستكرر كتابة ما تراه أو ما تتخيله بطريقة غيرك فهناك من قد تكاثر قبلك، وسيتكاثر بعدك إن لم تتنبه.

الشهرة والأسماء والكميات ليست مهمة من وجهة نظري، حتى إن غلبت في حضورها بسبب قدرتها على تسويق نفسها في حملات السوشال ميديا وحفلات التوقيع. وأنا لا أستنكر أهميتها، ولا ألوم من يفعل ذلك، فالكتابة إن لم تسوّق نفسها للقارئ وهذا هو الأهم، فربما تجد نفسك مضطراً لتسويقها بالطريقة التي تناسبك.

الكتابة التي تستحق البقاء ستبقى، وسيتم تذكرها.

ما أكتبه شخصياً يتعلّق أولا بمزاجي، وثانياً بأحداث حياتي الشخصية التي تسبق هويتي ككاتب.

الأمر الآخر، أنني آخذ وقتي بأطول مما يمكن في التفكير بما سأكتب وكيف سأكتبه. لذا أخذت الرواية الأولى ما يقارب 10 سنوات للتفكير والكتابة، لكنها أعطتني سعادة هائلة مستمرة حتى الآن، ولذا لم أكتب غيرها. أو بالأصح لم أصدر غيرها، لدي بعض النصوص في الكتابة المعاصرة، منها ما ينشر ومنا ما لم ينشر، ولم أفكر بعد في نشرها بكتاب، وهناك عمل روائي، ربما أعمل لإكماله قريباً.

• كانت «دار طوى» منبرنا الأول ولكنها توقفت، لو أتيح لها أن تعيش هذه الأجواء التي نعيشها حالياً.. هل ستستمر؟

•• لا، لا أعتقد.

لقد فعل وجه الخير وابن الملوك الأمير محمد بن سلمان كل ما كنا نفكر فيه أو نتمنى أن نفعله طوال 30 عاماً وأكثر، وهي عمر التجربة التي خضنا مآسيها بكل صبر وتضحيات.

• هل تفكر في عودتها؟

•• لا. «طوى» عادت كدار نشر لتستمر في نشر الوعي وجماليات الحياة ومواجهة التطرف وأفكاره، وفتحت المجال كأول دار نشر سعودية 2007 تهتم بالمنجز الفكر والأدبي السعودي والعربي والعالمي، فتحت المجال لتضع التجارب السعودية على المحك وفي الواجهة بعد أن استسلمنا لدور نشر عربية طوال عقود، على مستوى النشر، ونحن نستحق ذلك أن نكون في صدارة صناعة النشر. لما وبما نملكه.

وأعتقد أنه حتى على المستوى الخليجي، إذا قارنت التجارب التي تأسست بعد «طوى» ستعرف أننا فتحنا الباب على مصراعيه لنحتل مكانتنا الحقيقية والمستحقة.

أما عودتها الإلكترونية فلا أعتقد أنها ستواجه امتصاص مواقع التواصل الاجتماعي بكل طاقتها لرغبات البشرية بالتواصل وابتلاعها حتى لوسائل الاعلام التقليدية التي تمتلك رأس المال والكوادر والمصادر والحماية القانونية.

• فكرت وعملت مبادرات كثيرة وأعلنت عنها ولكنها لم ترَ النور.. وعندما سئلت عن ذلك من الزميل علي فائع هنا في صحيفة عكاظ أجبت بأن حماسك خفّ كثيراً أو بهذا المعنى!.. ما السبب الحقيقي لذلك؟

•• لو لاحظت أن آخر بيان أصدرته «طوى»، كان تحت عنوان «البيان قبل الأخير» لطوى، ما يعني أنني لم أستسلم بعد.

لأني أثق بأن إحدى هذه المبادرات، ستتم وستنجح، لا أعرف أيها ولا متى، لا بسبب كثرتها بل بسبب ما سيتاح لي ولها من فرص.

• ولماذا لم تكن مقاتلاً ما دمت موقناً بأهمية مشاريعك؟ أليست الثقافة مثل الدنيا تؤخذ غلاباً؟

•• أكثر من كل هذا؟ المشكلة أنني قليل التنازلات وبالحدّ الذي يحفظ لأي مشروع كرامته واستقلاليته، ومتأكد بأنها ستحين الفرص والظروف المناسبة لعودة مشاريع ما زلت أحلم وأفكر بها.

• ما هي القصيدة التي كتبتها وتوقفت عندها طويلاً؟

•• كلما راجعت ما كتبته توقفت طويلاً، لا أتوقف للمراجعة والمحو، أتوقف لأتذكّر وقت الكتابة، ولك أن تتخيّل أن آخر نص شعري نشرته كان مكتوباً قبل نشره بـ13 عاماً.

تخيّل زمن الرضى الذي يتحقق لديّ بعد مرور كل هذا الزمن، ولم لو يكن كذلك لما نشرته.

هناك بعض الكتابات كنت وما زلت أنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة، أي أنها لا توجد لدي في ملفات لحفظها، ثم يعييني البحث عنها وكثير منها لا أجدها.

لكني أحب مقطعاً شعرياً قصيراً بعنوان:

حارس النبيذ..

العتمة... كمينُ النبيذ

.. الهواءُ..أفعاهُ المُسِنــَّــة

الوقتُ.. جدّه المنسيّ بلباس الحرب

الخشب... حارسه الشخصيّ.

• كتبت الزميلة هيلة المشوح تغريدة في «تويتر» تقول فيها: «من إيجابيات الصحوة أنها كانت «فرازة» للشجعان الذين واجهوا ظلامها بقناديل الوعي، والجبناء الذين انحنوا لها في بداية الكهف!» فعلقت عليها قائلاً: «وللأسف أن الجبناء صعدوا على أكتافها دون أن يخوضوا معركتها».. من هم هؤلاء الجبناء؟ ولماذا لا تكون شجاعاً وتسميهم؟

•• الذين أتوا بعد انتهاء المعركة ليطلقوا الرصاص على الجرحى. هذه المقولة التي أرددها كثيراً لدرجة أنها صارت تنسب لي وأنا لم أقلها.

كثير من يأتون ليجدوا الأكتاف التي نزفت الدم والوقت وقدمت التضحيات جاهزة ويستغلون كل هذا التعب ليعلقوا النياشين بصفتهم شجعاناً، ويجدون من يمسك بأيديهم ليتقدموا الصفوف كأبطال وأصحاب كلمة وموقف ومواجهة.

شخصياً لست في حاجة لخوض معارك صغيرة ليست لي، لديّ ما يكفيني لأعيش بأعداء غير شرفاء، وكان دعائي الذي كررته عشرات المرات «اللهم امنحني عدواً شريفاً ولو لمرة واحدة».

• ماذا تعني لك الرياضة؟ ولماذا تكتب فيها بحب شفيف؟

•• الجميل أنك قلت الرياضة، لا كرة القدم.

لأنني فعلا شغوف بها كمنافسات عظيمة، الانتماء جزء شفّاف في المنافسات الرياضية، سواء كان لوطنك أو للون فريقك، أو للعبة التي تنافس بها، المهم أن تنافس بشرف وشجاعة كأي مقاتل من أجل إثبات انتمائك لهذه العائلة التي تحيط بك واخترت أن تثبت لها بأنك كفؤ للدفاع عنها وتمثيلها.

هي جزء من السحر الواقعي الذي يضيف لحياتنا طعماً لا نستطيع أن نفعله ونبحث عمن يفعله بالنيابة عنّا.

• ولكنك تبدو متعصباً بعض الشيء لنادي الهلال.. ألست كاتباً ومثقفاً؟ والثقافة أصلاً -كرسالة حضارية- هي ضد التعصب بجميع أشكاله؟

•• ما نفعله مع الفريق الذي ننتمي إليه هو نوع من التعبير عما لم نستطع أن نحققه رياضياً، وكلنا باستثناءات قليلة ونادرة مارسنا اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

ولو تابعت ما أكتبه عن الهلال ستجدني أدافع عنه ضد خصومه الذين لا يتمتعون بالحيادية، وليس انتصاراً لهزائمه.

• أيضاً أنت مهتم بالفن والموسيقى.. لماذا بليغ حمدي يكاد ربما الوحيد الذي جذبك للكتابة عنه تحليلاً وقراءة فنية مطولة وعالية؟

•• معظم من ينتمون للآداب والفنون سيجذبهم إنتاجها بكل أشكاله وتنوعاته، وشغفي بالموسيقى الشرقية ليس غريباً عليّ، وقد بحثت فيها مطولاً، في الفنون الشعبية، والموسيقية، وأساطيرها ومؤديها، لكن استثناء بليغ حمدي حتى الآن على الأقل، لأن ما أضافه للموسيقى الكلاسيكية العربية نقلها من مرحلتها التي كادت تتكرر ويسيطر عليها كبار الملحنين والموسيقيين إلى مرحلة أخرى مختلفة تماماً.

بليغ في فترة مبكرة من عمره أصبح التحدي الوحيد على مستوى الأغنية المصرية الذي يتنافس عليه الجميع لكي لا يفقدوا مواقعهم التي وصلوها.

لو لم يكن بليغ حمدي في المرحلة، ربما، لما كانت هناك نقلة نوعية في الأغنية المصرية، وربما أيضاً لما كان هناك جيل ثانٍ من الأساطير، سيأتي بعده عمار الشريعي هو الآخر، لكنه كرس وقته لمنطقة أخرى، وأثراها.

لكل واحدٍ منهما مدرسته الخاصة، ولكل منها دوره الذي أسس فيه تاريخياً لنقل الأغنية العربية، مثلما فعل الرحابنة في لبنان مثلا وزياد مع أمه وفي موسيقاه.

•كيف ترى الحضور الفني والموسيقي محلياً وعربياً في الوقت الحالي؟

•• لولا وجود بعض الموسيقيين الكبار ولولا وجود بعض الأصوات العربية الأصيلة لاحترقت المراحل كلها، وسيأتي يوم من الأيام، إن لم تأتِ ظاهرة موسيقية جديدة، سيأتي يوم تتحول فيه الأغنية إلى تجارة مخيفة وخطرة على الذوق، لكني شخصياً، متفائل بمستقبلنا الموسيقي محلياً وعربياً، وأعتقد أننا سنشهد ولادة أغنية جديدة قادرة على إضافة تغيرات مهمة، بشرط أن نتخلص من الظواهر التجارية.

• كيف ترى المشهد الثقافي الآن؟

•• أرى أن هناك رجل ثقافة وإدارة يتمثّل بوزيرها الأمير بدر بن عبدالله، ومعظم ما يحدث الآن من مشاريع ثقافية تقول إننا نسير بنفس وتيرة التطور الذي حدث محلياً وتتناسق مع الأحداث التي نعيشها ونشاهدها ونلمسها على كافة المستويات.

وأنا هنا أعني الثقافة بشمولها لا بآدابها فقط.

الأدب المحلي لا يزال يعاني من مشكلة النشر مثلاً، مهما تعددت دور النشر وخياراتها، وهيئة الأدب تخطو خطوات مهمة، لكن السؤال هل هي كافية؟ أعتقد لا. مشكلة النشر متأصلة، وحلولها يمكن طرحها، تبدأ من تطوير صناعة النشر والطباعة المحلية، تغيير نمط الرقابة في المؤسسات المعنية، ثم نأتي إلى مشكلة التوزيع الأزلية، وهذه معضلة المعضلات، وجميعها مبادرات شخصية من دور النشر، يأكل أخضرها ويابسها منصات البيع الثابتة، الحل أن يكون هناك اتفاق لتأسيس اتحاد خاص بالتوزيع، لكي لا تلتهم الكتب منصات البيع الشهيرة حالياً، رغم وجود منصات بيع إلكترونية جزء من الحل وهناك مبادرات جميلة ومثمرة، لكنها من وجهة نظري لا تكفي. تخيّل أن تطلب منك إحدى منصات البيع، الكتب المترجمة فقط، أي أنها تنظر للجانب التجاري في الأمر، الكتب الأكثر مبيعاً، وهذا حقها بالطبع، لكن حقّ من يهتم بالأدب المحلي، أن يرفض إذا ما اشترطت مثل هذه المنصة كتباً بعينها وأهملت المنتج السعودي، وهذا حدث كثيراً أيام «طوى»، ولم نلتزم معهم ما لم يضعوا ضمن القائمة الكتب السعودية.

الأدب المحلي حضوره عربياً وعالمياً لا يزال قاصراً، إلا من بعض الجهود الشخصية للكتاب أنفسهم وهذا كنا وما زلنا نعانيه، يبرز سؤال مهم بالنسبة لي، هل لدينا أدب يستحق حضوراً عالمياً ؟ أنا لا أجيب عن هذا السؤال لكنني أبحث عن إجابة عليه. ليس معنى أن يشارك شاعر في مهرجان عالمي أن الأمر انتهى عند هذا الحدّ، الأمر يحتاج إلى مشاريع ملهمة لوضع أدبنا المحلّي في الوجهة العالمية، ولا أعرف فعلاً إن كان هذا يجب أن يندرج تحت مهام وزارة الثقافة وبرامجها واستراتجيتها، أم سنبقى على بعض الجهود الشخصية المتعلقة بالأسماء والأشخاص.

شخصياً متفائل بما سيحدث، وهناك بعض الأفكار والبرامج لو أتيحت الفرصة لي شخصياً لناقشتها إن كان هناك مجال لتنفيذها.

• ما الكتاب الذي ابتهجت بنشره؟

•• الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية لغاليانو، حوارات عبدالرحمن منيف، مورفين لبولغاكوف، البيت الكبير لسامادو، كتابات من السجن لبوبي ساندز، مذكرات قبو لعلي الشدوي، الثقافيم مفاهيم تشبه الحقائق لفالح العجمي، مجاهد عبدالمتعالي كله، عبدالله بن بخيت... كتابات من السجن لبوبيسان..

كتب «طوى» عزيزة عليّ، لكن ذاكرتي تحتفظ بمتعددات وعناوين كبيرة.

•هل لا يزال الناشر العربي «شحاتاً»، حسب قولك في حوار سابق؟

•• وأضيفُ لها في أحيان كثيرة، استغلالي!

• حدث لا يمكن نسيانه ؟

•• أتذكر في عام 1992 حين قدمت على الابتعاث لدراسة الماجستير، كان هناك تخصص نادر، يدرسه طالبان سعوديان فقط في الولايات المتحدة «تنمية الموارد البشرية» هذا على حدّ المعلومات التي وصلتني من دارسين وقتها، قدمت وحصلت على القبول، ورفعت الملف لإدارتي العليا للموافقة على الابتعاث، وحين قابلت المسؤول الأعلى المباشر، رفض الطلب، وسألته عن الأسباب قال إن التخصص لا نحتاجه ولا يمكن الانتفاع منه!

توقفت عن المحاولة، وهذا المسؤول أصبح بعد 25 عاماً يدير أكبر مؤسسة رسمية تعنى بتنمية الموارد البشرية.

نادم لأنني قابلته، ونادم لأنني استمررت بالعمل تحت مظلة مثل تلك ولم أحاول بعدها.

• ماذا يعني لك:

- السفر؟

•• لست من هواته، ومصادفته غريبة عليّ، أصبت بـ«فوبيا» المطارات بسبب أحداث كثيرة تكررت، تخيّل أن توقف في الصين لأن هناك تشابه أسماء بينك وبين مفقود، وأن توقف في بيروت ثلاثة أيام في الأمن العام، لأن موظف الجوازات في مطارها نسي أن يدخل اسمك في النظام بعد أن غادرتها آخر مرّة، وأن توقف في مطار آخر لأن هناك تشابه أسماء أو صورة جواز. هذه الأحداث جعلتني كلما دخلت مطاراً أصبت بالرعب.

ـ الصحراء؟

•• معظم الأيام الجميلة في الوجود أقضيها هناك، أن تتخلص من أعباء المدينة ما استطعت، أن تستعيد عافيتك وتتلمّس روحك وشرايينك، أن تتوحّد مع فرادتها وكائناتها، مع الكون وتجليه فيها، عشت سنوات طويلة على حوافها، وعلقت بها للأبد. رائحة عشبة من أعشابها تعادل كل عطور العالم.

ـ الحب؟

•• حاسب، لكي لا يصيبك بالخذلان، إن حصل لك ذلك ستندم.

• ما الخطأ الذي لم تندم عليه؟

•• أنني استطعت أن أمارس الزراعة وأتعلم حرفاً يدوية ضد الفراغ.

• لو عاد بك الزمن للوراء ما الأشياء التي لن تعيدها؟

•• النشر ربما.

• ماذا تقول لهؤلاء:

- وزير الثقافة السعودي:

•• رجل نبيل وكريم وواعٍ يتقّد في روحه تفاؤل كبير بالمستقبل.

- محمد جبر الحربي:

•• أخي الكبير والحبيب الذي لا أنسى حضوره الشعري والإنساني في حياتي.

- تركي الحمد:

•• أبو طارق عانى كثيراً وضحى كثيراً من أجل كلمته التي كانت ستغيّر مع غيره الماضي الظلاميّ للصحوة وأخطائها الكارثيّة.

- منيرة الغدير:

•• لو كانت منيرة في مكان ما في وزارة الثقافة أعتقد بأنها مؤسسة كاملة.

- محمد حسن علوان:

•• الله يعينه.. مصائب المثقفين أكبر من نقائص الثقافة.

- تركي الدخيل:

•• لأبي عبدالله مواقف لا أنساها، يتمتع بأجمل خصال الرجال.

- سعد الصويان:

عالمُ مهول في الأدب الشعبي محبُ وشغوف، إحدى العلامات الأهم في الثقافة السعودية، سخروا من اهتماماته وأنجز ما نفخر به جميعاً.

- أرياف ورين عادل حوشان:

•• أرياف شيء إلهي يمضي في روحي، رين شهادتي في هذه الحياة التي تعمى كل بصيرتي أمامها.

• أخيرا.. لو وصفت سيرتك ومسيرتك، كيف تختصرها؟

•• كنت أتمنى أن أتنبه للوقت، وأكون أكثر اهتماماً بما أفعل، عشت واخطأت، عشت وأصبت، ندمت بما يكفي، سعيد كما يجب، اخترت، واختير لي، كنت قد كتبت مرة «عشت سعيداً... أبي كان معي» وأشعر أن هذا يكفيني.