-A +A
محمد الحميدي
ما المقصود بالتواصل الحضاري؟ وإلى أي شيء يشير؟ وكيف تتفاعل اللغة العربية مع الحضارة العالمية بمتغيراتها ومنجزاتها؟ وما دور المملكة العربية السعودية القادم في هذا الإطار؟ وما الذي ستقدمه للعالم عبر (رؤية 2030) لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله؟

‏أسئلة كثيرة ومتعددة، يمكن طرحها على الواقع العربي اليوم، بدءًا من الانهيار الثقافي، حيث التخلف عن ركب الأمم المتقدمة، وصولاً إلى المشكلات الإنمائية والتطويرية، المتعلقة بكيفية الحياة، وصلتها بالقوانين والتشريعات، وانتهاءً بالتعاون الفعلي مع العالم؛ لإحداث تأثير ملموس، يجعل للدول العربية مكانة عالية.


‏مفهوم التواصل الحضاري يشير إلى الآلية التي تتحاور وتتشارك بها الحضارات، حيث تعتمد مبدأ التأثر والتأثير، فليست هنالك حضارة منفردة قادرة على قيادة العالم، مهما بدت، دون الاستعانة ببقية الأمم، هذا ما شهدته الحضارة العربية خلال فترات صعودها، إذ استفادت من نهر المعرفة الجاري، فاكتسبت حكمة اليونان والسريان والفرس والهند والصين والرومان، فأثَّرت وأثرَت تلك الأمم، مثلما استفادت منها.

‏العملية الحضارية، سلوك حواري يشمل التأثر والتأثير، تقوده المشاركة الفعالة، التي تُعتبر إحدى خطوات التواصل بين الأمم، من أجل البناء والرقي، ولعلها الخطوة الأهم حينما ننظر إليها، فالعرب اليوم، غير فاعلين على المستويين الثقافي والحضاري، إذ ليست لهم -تقريباً- مشاركات بحثية وعلمية منافسة ومتفوقة.

‏اللغة العربية وسيلة للدخول إلى الحوار الحضاري، فمن أجل الانخراط الجاد والمشاركة الفاعلة في الإنماء العلمي والمعرفي، على العرب الإمساك بما يضمن بقاء هويتهم وعدم ذوبانها داخل الآخر، حيث الحوار مع القوي والمسيطر ثقافيا وحضاريا؛ يُخشى منه الذوبان في هذا الآخر، وبالتالي فقدان الهُوية المميزة؛ هوية اللغة والانتماء إليها، وأبرز ما يميز أبناءها، والمتحدثين بها.

‏الحضارة العربية استفادت من ثقافات الآخرين، عبر الترجمة والنقل والاستضافة؛ لذا أصبحت الحضارة الأهم والأبرز، واليوم نشاهد الفعل ذاته يتكرر مع الحضارة الغربية، ولكن من الزاوية المعكوسة، فالعرب متأثرون لا مؤثرين، يترجمون ويستوردون الأفكار والمصطلحات والعلوم والمنجزات.

‏مشاركتنا للآخر في بناء الحضارة والرقي الإنساني لا تعني التخلي عن الهوية، فلكل إنسان تمايز واختلاف عن غيره، وهو ما يثري الحوار، ويساهم في تقريب وجهات النظر، وإزالة الاختلافات والتناقضات، إذ الهوية بوابة للدخول والمشاركة والحوار وإثراء الحضارة ورفدها بالجديد.

‏للمملكة العربية السعودية تجربة رائدة في هذا المجال، وذلك عبر قيامها بأمرين اثنتين خلال السنوات القليلة الماضية، أولهما: يتمثل في برنامج الابتعاث الذي وسَّعه المغفور له الملك عبدالله؛ حينما أرسل مئات الآلاف من المبتعثين إلى مختلف دول العالم، مع حثِّهم على الانخراط في الحضارة العالمية، والاستفادة منها، والنهل من علومها، ولم تتضح ثمار الابتعاث إلا بعد عودة هؤلاء المبتعثين إلى البلاد، للمساهمة في تطويرها وتنميتها، حيث انعكس تأثير الأطباء والمهندسين والباحثين والمتخصصين في الكيمياء والكهرباء والفيزياء والميكانيكا، والعلوم الإنسانية والاجتماعية واللغوية واللسانية، على نوعية الحياة.

‏ ثانيهما: يتمثل في (رؤية 2030) للأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، الهادفة إلى تغيير الحياة في المملكة للأفضل، عبر الاستفادة من هؤلاء المبتعثين، وإسهامهم في التنمية المستدامة، فتم الاتجاه إلى استحداث قوانين وتشريعات جديدة، تناسب الحياة المستقبلية المأمولة، التي يمثل الإنسان فيها القيمة الأولى والأهم، وقد ترافق ذلك مع العمل على إعادة تنظيم إدارات الدولة ووزاراتها؛ للاستفادة من كفاءاتها على أعلى مستوى، مثل التنظيم الجديد لوزارة الثقافة، الذي أفردها وجعلها مستقلة عن قسم الإعلام.

‏عمدت وزارة الثقافة إلى تأسيس هيئات تتولى إدارة المشهد المحلي، وربطه بالمتغيرات العالمية، وهي خطوة في غاية الذكاء، من صاحب (رؤية 2030)، حيث إدراكه أن الانخراط الفاعل والمشاركة الحضارية، لا يمرَّان إلا عبر التغيير الثقافي، لهذا أنشأ الهيئات الإحدى عشرة؛ لتكون مسؤولة عن إدارة القطاع وتوجيهه، والهيئات هي:

‏1- هيئة الأدب والنشر والترجمة.

‏2- هيئة الأزياء.

‏3- الأفلام.

‏4- هيئة التراث.

‏5- هيئة فنون العمارة والتصميم.

‏6- هيئة الفنون البصرية.

‏7- هيئة المتاحف.

‏8- هيئة المسرح والفنون الأدائية.

‏9- هيئة المكتبات.

‏10- هيئة الموسيقى.

‏11- هيئة فنون الطهي.

‏ بنظرة سريعة إلى الهيئات نجد أنها تهتم بكل ما يحيط بالإنسان، فتنظيمها وتشكيلها أتى من أجل الإسهام، والمشاركة في الحضارة العالمية، مع الاحتفاظ بهويتنا اللغوية المميزة.