-A +A
بشرى فيصل السباعي
في كل بلدان وثقافات العالم عندما يقال إن فلانا شاعر تلقائيا تتولد لدى أهالي تلك البلدان والثقافات أجمل الصور الذهنية الأدبية الشاعرية الحالمة عن ما يعنيه أن يكون الإنسان شاعرا، لكن بالمقابل لدينا عندما يقال إن فلانا شاعر للأسف تخطر للسامعين تلقائيا أسوأ الصور الذهنية النمطية السلبية عن ذلك الشخص والتي تتضمن كونه يتعاطى الشعر كوسيلة للارتزاق والاستعطاء والشحاذة، حيث يقوم بإلقاء شعر تملق ونفاق ومداهنة ينفخ في «غرور الأنا/‏ النرجسية» لدى أصحاب المال بكلام فارغ كديباجة شحاذة، ولذا انتشرت إعلانات بيع شعر للارتزاق والاستعطاء والشحاذة لمن ليس لديه صنعة الشعر ليدعي أنه له ويتملق ويشحذ به وهم الفئة التي ورد فيها الحديث «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب». وهذا الانحطاط الأدبي ليس جديدا، فكثير من شعر شعراء العرب القدماء كالمتنبي مسخر لهذا الغرض، لكن الناس يقدرون الإبداع بالصنعة الشعرية والبلاغة بشعره وإن كانوا يستحقرون توظيفه المبتذل لها، لكن حاليا حتى الصنعة الشعرية انقرضت بالكامل ولم يبق سوى الشحاذة المبتذلة باسم الشعر، بل والأسوأ أن الوجه الآخر السلبي لتوظيف الشعر لدينا يتمثل في إثارة عصبيات الحمية الجاهلية البدائية وإثارة العدوانية ضد الآخرين، ونتج عنها أحيانا شجارات بالأسلحة واعتداءات وقتل بخاصة عندما يتم تحويلها للأغاني أو ما يسمى بالشيلات بالصيغة الشعبية التي تهيج المراهقين على عنتريات التنمر والعنصرية والعنف وحتى جرائم القتل داخل المدارس، خاصة أن القاتل يعلم أن جماعته سيجمعون له 60 مليون ريال للدية، بينما كان يمكن بناء مستشفى خيري بهكذا مبلغ بدل هدره لمنع معاقبة قاتل، مما جرأ الكثيرين على القتل لينطبق عليهم شعر النفخ بالحمية الجاهلية، بينما لا يمكن في أي مكان بالعالم أن يتصور أحد أن يكون شاعر هو سبب إثارة العدوانية والقتل، لأن الشاعر في كل العالم هو إنسان امتهن التعبير عن الأحوال والمشاعر العاطفية البالغة الدقة والرقة والحساسية واللطف والعمق والجمال، وهذا للأسف من أوجه الانحطاط العام في روافد الثقافة لدينا من كل وجه، فهناك تصحر كامل في المشاعر الراقية والرقيقة والجميلة والعميقة لصالح تشجيع الانفعالات والعنتريات السطحية والهمجية والغوغائية والمفاخرة بها واتخاذها وسيلة للشهرة وهذه معضلة اشتهار الناس بدون مضمون حقيقي وإنجازات حقيقية فهم لا يملكون إلا الأنماط الصادمة والمبتذلة لجذب الاهتمام وتحقيق السمعة ونيل المكاسب، ولن تزول تلك الأنماط المتطفلة على أحد ارفع فنون الشعوب إلا بتوقف الطلب على هذا الابتذال والانحطاط الحاصل زورا وبهتانا باسم الشعر.

كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com