-A +A
رامي الخليفة العلي
أعلنت السلطات التركية عن سحب سفينتها (الريس عروج) من المياه المتنازع عليها مع اليونان باتجاه أنطاليا؛ وهذه السفينة هي للكشف والتنقيب عن الثروات في شرق المتوسط، ويعتبر هذا التطور مهما للغاية في إطار التصعيد الذي شهدته المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية عقب تصعيد آخر لا يقل عنه توتر شهدنا فصوله في ليبيا. مع اختلاف القضيتين فإن الروابط بينهما كثيرة، فهما نتاج سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الرئيس التركي، كما أنهما تعبران عن رؤية تركية تتجاوز حدود التاريخ والجغرافيا بحثا عن أحلام إمبراطورية أكل عليها الزمان وشرب. إلا أن المقارنة لا تقف عند هذه الحدود وإنما تتجاوز ذلك إلى طابع بدأت تأخذه السياسة الأردوغانية الإقليمية والدولية. يتجلى ذلك الطابع بسوء الإدارة التي أدخلت تركيا في أزمات مع محيطها الإقليمي والدولي، وكذا في تخلي أردوغان عن الاختصاص فبدأ يتصدر لكل القضايا، بالرغم من نزعته النرجسية وأسلوبه اليميني المتطرف والشعبوي، حتى أولئك المحيطون به والذين من المفترض أن يشاركوا في صناعة القرار السياسي تراجعت أدوارهم وأصبحوا ضلالا باهتة للزعيم (الملهم) وعلى رأس هؤلاء الشاويش أوغلو وزير الخارجية.

يسعى أردوغان وعصبته إلى تصوير الصراعات التي دخلت وتدخل بها تركيا بأنها صراع حول الدور والمصالح، وبالتالي فإن الأطراف الإقليمية والدولية، بحسب الرواية الأردوغانية، ترفض أن يكون لتركيا دور وتريد أن تخصم من حقوق تركيا، ولكن هذا الأمر لا يمت للحقيقة بصلة، فعندما كانت هناك سياسة تركية تبحث عن مصالح الدولة التركية وتريد بناء علاقات جيدة في الإقليم، معظم دول المنطقة وخصوصا الدول العربية مدت يدها للحكومة التركية، ولكن عندما حاول أردوغان أن يضرب مصالح الدول والشعوب العربية عرض الحائط في سبيل البحث عن مجد زائف، عند ذلك انفضت الشعوب عنه ولم يبق إلا أولئك المخدوعين بخطاباته الشعبوية، الكاذبة في معظم الأحيان. الطابع الإيديولوجي والرغبة بجعل الآخرين أتباع والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية وتبنى تيار الإسلام السياسي، كل ذلك أدخل تركيا في زمرة من الأزمات التي تكاد لا تنتهي، حتى صاح رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض: «من هؤلاء الإخوان الذين نعادي مصر من أجلهم». ومع كل ذلك فإن غريزة البقاء السياسي، وبغض النظر عن الخطابات العنترية، تدفع أردوغان إلى النزول من الشجرة التي يدعي أنه يرتقيها لكي يصغي السمع صاغرا للنصائح الأمريكية، حدث ذلك عندما تراجع هو ومليشياته الإرهابية عن الهجوم على سرت والجفرة عندما تبنى المجتمع الدولي وكذلك الولايات المتحدة الخط الأحمر المصري، وكذلك عندما توقفت العملية العسكرية في شمال سورية بعد رسائل واضحة من الجانب الأمريكي. والآن تسحب تركيا قطعها العسكرية وسفينة البحث والتنقيب بعدما أوصل البيت الأبيض رسالة واضحة لأردوغان بأن عليه تغير نهجه وإلا..... يذكرنا كل ذلك بالكوميدي المصري الراحل عبد الفتاح القصري وجملته الشهيرة «أنا كلمتي ما تنزلش الأرض..... تنزل المرة دي...».


باحث سياسي

ramialkhalife@