-A +A
عبدالله آل هتيلة تصوير: محمد المالكي 3
خيّم الحزن على قصر الأمير الراحل فواز بن عبد العزيز –رحمه الله- ولا تسمع إلا حديث العاملين عن مآثره ومواقفه وتعامله معهم. وذكر أحدهم بأن الفقيد كان يطمئن على أحوالهم يوميا بل ويقف أمام بوابة قصره لمداعبتهم ويسألهم إن كانت لهم حاجة فكانوا يكنون له بالغ الاحترام والتقدير.. أكدوا بأنه سيظل حاضرا في قلوبهم لا يموت لأن ليس من السهل نسيانه وهو الذي ترك رصيدا ضخما من الأعمال الخيرية التي كان يحرص على غرسها أينما حلّ أو رحل.
يقول الدكتور فواز البشري: للحديث عن الفقيد الراحل صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبدالعزيز رحمه الله لا بد أن أوضح السبب الذي جعلني أتشرف بالارتباط بسموه وهو أنه تزوج خالتي الأميرة فوزية في صيف 1957م ثم شاء الله تعالى وبعد ولادتي بشهرين أن أقيم في منزله وقد تعهدني بالتربية منذ ذلك الحين وحتى وفاته رحمه الله.. شملني بعطفه وحنانه ورعايته وأسأل الله أن يجزيه خيرا فقد كان نعم المربي وبمثابة أب.. ومن الجوانب الشخصية التي أحب أن اذكرها عن الأمير فواز رحمه الله وإن كان رأيي فيه مجروحا ولكن هذا الكلام يؤيده عامة الناس فكان يتميز بدماثة الأخلاق ولين الجانب وتواضع جم على علو قدره ومكانته الاجتماعية وأذكر أنه في مجال التوجيه والتربية لم يكن يستخدم أسلوب النهر والزجر ولكن كان يحب أن يستخدم بذكائه الفطري أسلوباً هو الأوقع في النفس والأكثر تأثيرا وهو ضرب الأمثال وإعطاء العبر التي تترك في النفوس أثرا عميقا ممتدا لا تتركه الأساليب القاسية في التربية.

وأضاف الدكتور البشري: لا يخفى على أحد أنه تولى وكالة أمارة منطقة مكة المكرمة أواخر 1969م وقبل ذلك كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة بالوكالة وكان قبلها أميرا لمنطقة الرياض لمدة عام ثم تولى إمارة منطقة مكة المكرمة عام 1390هـ حتى استقال بسبب ظروفه الصحية عام 1400هـ كان شغله الشاغل خدمة أهالي المنطقة الذين يكن لهم حباً شديداً يحنو على صغيرهم ويرأف بكبيرهم ويقدّر عامل السن كثيرا.
وأكد الدكتور البشري بأن الأمير فواز كان طوال حياته محبا للخير وخاصة رعاية الأيتام وعلاج المرضى المحتاجين حتى انه كان ولا أدري إن كان من حقي أن أبيح بهذه الجملة يقول “لو أستدين في سبيل علاج أي محتاج فلن أتردد”.. كان صافي القلب.. مطمئن النفس.. لا ينام ولا يقر ليلا في فراشه إلا وهو سليم النفس ويوصيني دائما بالدعاء “رب لا تجعل في قلبي غلا على أحد ولا تجعل في قلب أحد غلا علي”.. هذا هو مبدأه وديدنه في الحياة.
مبادئ مجلسه
ويصف الدكتور البشري تعامل الراحل مع من يزورون مجلسه بأنه كان دائما يتحاشى الغيبة وكان يتضايق إذا بادر أحد الحاضرين بحديث فيه غيبة أو إساءة لأحد.. يوصي المحيطين به لعمل الخير ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف كما انه لم يوص بهذه الفضائل فقط بل هو أول من يعمل بها.. له طريقته الخاصة في التعامل مع كل من عملوا معه.. كان يبدو عليه التأثر من أي خطأ يبدر من شخص لآخر في مجلسه لكنه كان يعالج ذلك بعيدا عن الآخرين وبأسلوب ليس فيه إساءة لأنه يراعي مشاعر الجميع.. وكان يؤكد بأن على أي شخص قبل النطق بكلمة أن يدرك أبعادها وأمام من تقال حتى لا يسيء لمشاعر الآخرين.
تطوير جدة
ويواصل الدكتور البشري حديثه: شهدت جدة في عهده كما يعلم الجميع تطورا عمرانيا كبيرا وأذكر بأن حدود العمران كان ينتهي بالقرب من دوار فلسطين ومصنع البيبسي الحالي في الصحراء وبداية الامتداد الشمالي لجدة الذي يبدأ من دوار فلسطين والكورنيش الشمالي وتطوير منطقة الشمال بدأ في عهده عندما كان أميرا لمنطقة مكة المكرمة إلى أن جاء من بعده إخوانه الكرام وأكملوا المسيرة وقاموا بما أوكل لهم خير قيام كما كان المرحوم الأمير فواز رحمه الله.
علاقته بأسرته
وتطرق الدكتور البشري إلى علاقة الراحل الأمير فواز بأسرته فقال: كانت من العلاقات المميزة وأعلم بأن علاقته قوية جدا بجميع إخوانه حفظهم الله يكن لهم جميعا مشاعر الاحترام والمودة والتقدير والمحبة ولا شك بأن علاقة خاصة تربطه بأبناء شقيقه صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز الذين كان يعاملهم وينظر إليهم وينصحهم كأبنائه وهم يبادلونه هذه المشاعر.. تجلّت هذه العلاقة في أوضح وأبهى صورها عندما تعرّض رحمه الله للعارض صحي قبل ثلاث سنوات ألزمه المستشفى التخصصي بجدة سنة تقريبا فقاموا تجاهه بكل ود وبكل ما يستطيع الابن أن يقوم به تجاه أبيه.. هذه العلاقة التبادلية كانت محل إعجاب الجميع ومضرب المثل في البر والود.
قصة مرضه
وعن مرض الراحل الأمير فواز بن عبدالعزيز يقول د. البشري أصيب الراحل بمرض جلدي اضطره لتناول بعض الأدوية التي سببت هشاشة في العظام ومن ثم بدأ يعاني من آلام الظهر لكنه كان دائما لا يتأثر ولا يتأوه كان صابرا جلدا محتسبا حتى بعد اشتداد مرضه الذي جعله يمكث عاما في المستشفى لم يعانِ أي متاعب نفسية بسبب طول الفترة لأنه كان دائما متوكلا على الله حامدا شاكرا ولم نسمع منه شكوى أو تأفف.. كان يعامل أطباءه وممرضيه بكل محبة وتقدير وتواضع.. يسأل عن أخبارهم وأحوالهم ومأكلهم ومشربهم فتحوّل اهتمامه بنفسه إلى كل من حوله.. ولذلك كان تأثرهم كبيراً بعد وفاته حتى في مرضه الأخير في باريس وهو في العناية المركزة عندما كنت أدخل عليه للاطمئنان عليه ومعرفة حالته الصحية كان دائما يذكر الله وإذا سألناه عن أحواله لا يستطيع الحديث لكنه كان يستخدم إصبعه شاكرا الله على كل حال.
يوم الفراق
يواصل الدكتور البشري الحديث عن مرض الفقيد مؤكدا بأنه كان يعلم أدق التفاصيل عن مرضه ومراحل سير العلاج وأي تطورات أولا بأول إلى أن أجرى عملية في القلب يوم الاثنين الذي سبق يوم وفاته وكانت العملية والحمد لله ناجحة وحالته مستقرة حتى صباح الثلاثاء حيث دخلت عليه زوجته الأميرة فوزية وصافحته وأمسك بيدها وفي ثوان معدودة جاء الأجل وهذا أمر الله سبحانه وتعالى نحمده ونشكره.
اهتمام ولاة الأمر
وقال الدكتور البشري: الأمير فواز بن عبدالعزيز رحمه الله لقي عناية خاصة واهتماماً كبيراً طوال فترة مرضه من قبل سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسيدي الأمير بندر بن عبدالعزيز وسيدي ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظهم الله ففي بداية عارضه الصحي كانوا يزورونه بصفة مستمرة وشبه يومي في المستشفى التخصصي وهذا انعكاس لمشاعر الحب والمودة المتبادلة والحنان.. كانوا وجميع إخوانهم يواسونه ويرفعون من معنوياته وكان رحمه الله يأنس بهم ويحبهم وكانت زيارات لها الأثر الكبير في نفسه وساهمت في رفع روحه المعنوية.. والأمير بندر بن عبدالعزيز عندما سمع بأزمة الراحل الأخيرة وكان في إحدى الدول الأوروبية استقل الطائرة وتوجه إلى باريس وظل بجانبه حتى وفاته.. زاره قبل وفاته إخوانه وأبناء الأسرة المالكة الكريمة وجموع من المواطنين.