من عيوب التعامل مع الوسائط التي يوفرها الانترنت، أنها تعطي الكثير من الناس الجرأة على قول وفعل أشياء قد يترددون ألف مرة قبل إتيانها في وجود أشخاص آخرين، فمع الانترنت أنت جالس وراء قناع سميك من اللدائن والأسلاك وتستخدم اسما مستعارا للتخاطب مع الآخرين وربما شتمهم.. ورغم انني لم اقم باستطلاع رأي بين الشباب، إلا أنني وبحكم مخالطتي لهم في أماكن العمل وعلى المستوى الاجتماعي العام، اكتشفت ان كثيرين منهم ارتبطوا بعلاقات عاطفية مع آخرين وأخريات من الجنس الآخر، وبحكم محدودية التجربة فإن بعضهم يأخذ الأمر مأخذ الجد ويتحدث عن حبيبة أو حبيب وعلاقة عمرها سنوات او شهور.. وكل الذي يعرفه الحبيب عن الطرف الثاني هو المعلومات التي زوده بها عبر الرسائل والصور التي ارسلها بعد نسخها او عبر الويب كام (كاميرا الانترنت).. الأدهى من ذلك انني مثل غيري اتلقى رسائل غزل، بعضها من عربيات وأخرى من اسبانيات او ايطاليات .. لاحظ انني قلت رسائل في البريد الالكتروني، بمعنى ان ذلك لم يحدث خلال دردشة لأنني لا أدردش قط عبر الانترنت.. ولست عبيطا بدرجة ان أصدق ان اسبانية سمعت بي او رأت صورتي فهامت بحبي وقررت ان تبوح به لي.. بل وتستجديني ان ابادلها حبا بحب .. ولكن هناك بلهاء يصدقون مثل تلك الادعاءات خاصة أنها تأتي في إطار كذبات حسنة السبك: رأيت صورتك وقرأت سيرتك في فيس بوك او مايسبيس او هاي فايف.. واكتشفت ان هناك اشياء كثيرة مشتركة بيننا وحدثني قلبي انك الشخص الذي ظللت ابحث عنه طوال سنوات عمري البالغة اثنين وعشرين. كما أشرت في زاويتي هذه مرارا فإن الاستهبال العاطفي عبر الانترنت يستخدم أحيانا إما للابتزاز (إذا كنت قليل العقل وزودت الطرف الآخر بصور لك في أوضاع مخجلة بعد ان صدقت حكاية الحب الالكتروني)، أو لاستدراجك لترفع “التكليف” وتجعل “الحالة واحدة” وتعطي أسرارك المالية ليتم حلب رصيدك المصرفي حتى يجف ضرعه .. الغريب في الأمر ان من يصدقون أن هناك حبيبا في مكان آخر يستأهل الحب، يعرفون أنهم كذبوا عند الحديث عن مواصفاتهم وطباعهم: عمري 32 سنة ولم اتزوج حتى الآن لأنني ظللت أبحث عن فتاة أحلامي .. يقول عني الجميع انني وسيم ورياضي واحب الموسيقى الكلاسيكية .. (يكون عمره الحقيقي 46 سنة وانتهى زواجه مرتين في المحاكم لأنه “لطخ”، لا يهش ولا ينش ولا يغادر السرير إلا لتناول الغداء ثم يتمدد أمام التلفزيون لأنه يعاني من آلام في مفاصل الركبة بسبب قلة الحركة)، كيف لا يخطر بباله ان من تدعي ان عمرها 20 سنة عملت تنزيلات بنسبة 30%، وأنها سكيرة او حشاشة او خطافة رجال، وتمارس نفس اللعبة مع عشرة آخرين على أمل ان اكثرهم بلاهة سيقبل بها على حقيقتها لأنها نجحت على مدى زمني طويل في إقناعه بأنه وحده الحبيب المنتظر. أيها الآباء والأمهات مارسوا قدرا من الديكتاتورية وتجسسوا على عيالكم إذا كانوا يجلسون الى الكمبيوتر لساعات طويلة متصلة، ويصابون بالارتباك عندما تدخلون عليهم فيغلقون المواقع التي كانوا يتصفحونها أو ينزلونها الى أسفل الشاشة حيث تصبح غير مرئية.. وإذا “قفشتوهم” فكونوا رحماء بهم واشرحوا لهم أنه لا يوجد شيء اسمه حب لاسلكي.
jafasid09@hotmail.com
للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 151 مسافة ثم الرسالة
jafasid09@hotmail.com
للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 151 مسافة ثم الرسالة
أخبار ذات صلة