رغم هبوب رياح الاهمال على اجزاء من جبل قارة القابع بضاحية الهفوف بالاحساء، إلا انه لايزال يقف صلدا صامدا أمام كل ذلك. قادراً وحده دون تدخل من احد ان يبهر الباحثين عن العجائب والراغبين في استكشاف إبداع الخالق في صنع الطبيعة وتلمس بقايا الامس.. بعض صخوره تشكل الكون وبعضها ترسم ملامح البشر وهياكل الحيوانات. وفي داخله يجد المستكشفون كنزاً من كنوز الطبيعة تمثل في كهوف نحتتها يد الطبيعة وشوهتها ايدي العابثين. اهالي الاحساء وحدهم يثمنون قيمة تلك الكهوف ووحدهم الذين يعرفون خبايا واسرار اسطورة الاحساء. فهو متنفس الضائقين وراحة المتعبين. يأخذهم في لحظة الى الامس ويتركهم يحلقون في سماء الخيال. لذلك لا يقبل الاحسائي عن قارة بديلا. ورغم ذلك كله لم تضف الجهات المسؤولة للمكان سوى بعض الاضافات البسيطة والتي مر عليها زمن طويل، اهلكتها الشمس الحارقة وطالتها ايدي العابثين.. في ظل غياب أي جهة بالاشراف عليه. يتحدث الاديب والمؤرخ عبدالرحمن الملا عن جبل قارة فيقول: هو جبل يتألف من الحجر الجيري ويشغل مساحة كبيرة وتحيط به قرى ومزارع نخيل كثيرة ومن اهمها قرية قارة والتويثيل وقرية الجالوة والتيمية وهو يتربع بين هذه القرى الزاخرة والعامرة ببساتين النخيل والفواكه ولهذا الجبل خاصية عجيبة ففيه كهوف متعرجة وواسعة وفسيحة ويشكل بعضها قاعات فسيحة. ومن خصائصه انه يحتفظ بدرجة حرارة ثابتة لا تتغير صيفا وشتاء بحيث يصبح في الشتاء دافئا وفي الصيف في غاية البرودة. وكان الناس قديما يأوون اليه في ايام الحر الشديد للتبرد في الكهوف كما انه كان يتخذه زعماء البلاد قديما منازل لهم كما يوجد حول هذا الجبل بيوت بعض غرفها من هذا الجبل ومنها بيت يقع في حي التيمية يعود ملكيته لنا بعض غرفه من هذا الجبل ولكن ليس فيها تلك الخاصية من البرودة لأن درجة الحرارة الثابتة هي في الكهوف في داخل الجبل. وهذه الخاصية بسبب ان تعرجات الكهوف تمنع دخول الشمس لها ولكن تتسلل الاشعة تسللاً من خلال بعض الثقوب.
مواصفات قارة
يبلغ طوله نحو 2 كيلو متر، وتبلغ مساحة قاعدته نحو 1400 هكتار، لذلك لا يصعب على من يقف فوق القارة ان يرى الاحساء بأطرافها ويسحره ذلك العلو المخيف ويتكون الجبل من صخور رسوبية نحتتها رياح الطبيعة بمعول غير طبيعي وعناية فائقة وعوامل التعرية بأشكال متنوعة مثيرة مما أضافت على الموقع متعة وجاذبية فلو حدقت قليلا على تلك الصخور قد ترى جماجم بشرية واشكالا من الحيوانات وصورا من الطبيعة.
الخوف والغموض
ويجد الزائر المتجه إلى الجبل عبر الصعود إليه بواسطة الأقدام حالة من الخوف وكلما اقترب الزائر أكثر من صخوره الصماء التي تحكي قرونا من الزمن على وجودها ازداد انقباضا وتلهفا للتعرف على المزيد من الغموض، وقمة الإثارة لحظة الوقوف عند عظمة الكهوف والتجويفات الصخرية الطبيعية الفريدة التي تثير الفضول وحب المغامرة باكتشاف معالمه الساحرة وفك أسراره، ويزيد من إثارة الكهوف والتجويفات الصخرية مخالفة أجواء الطقس فيها لما في الخارج فهي باردة بالصيف ودافئة بالشتاء!
طقس خاص
ولتميزه بالبرودة في الصيف والدفء في الشتاء فان أهالي القرى المجاورة له كانوا يقصدونه، خاصة في السنين التي سبقت ظهور الكهرباء ووجود أجهزة التكييف والتدفئة فهو الملجأ الطبيعي للهروب من الحر الشديد والبرد القارس، ولازال لغاية اليوم مقصدا لمن يبحث عن الأجواء الطبيعية الباردة في فصل الصيف وبالخصوص في نهار شهر رمضان المبارك أو الدافئة في فصل الشتاء.
أدب الكهوف
ويقول الباحث الاحسائي محمد طاهر الجلواح، وهو من أبناء قرية القارة، إن كهوف جبل القارة التي تقع في ظهر الجبل، وتعاكس مدخله الامامي الذي مهدته منذ سنوات بلدية الاحساء، كانت مرتعاً لأهالي القرى المحيطة بالجبل، يعقدون داخلها جلسات الادب وتعليم القرآن، وتمتاز هذه الكهوف باتساع مساحاتها وتدرجها بشكل يشبه إلى درجة ما تدرج المسارح الرومانية، وقد أطلق القدماء أسماءً على بعض هذه الكهوف ترمز الى طبيعتها أو إلى أسماء مكتشفيها، بينها كهف (الغيران) الذي كان كبار السن يقيمون فيه ما يشبه حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وغار (الناقة) الذي يحتوي على عدد من الكهوف، ويمتاز هذا الكهف بشدة البرودة في الصيف والدفء في الشتاء، وفي بطنه غار يسمى (المعظمة) بسبب زيادة برودته في الصيف، حيث تقل درجات الحرارة عن 20 درجة مئوية، ويوصل الى كهوف اشد برودة، إلى جانب كهوف اخرى مثل غار (الميهوب) وغار ابوصالح.
مقترحات استثمارية
* خالد الشروقي احد سكان التيميه يضيف من جهته: هناك العديد من المغارات المهمة والمعروفة في جبل قارة ومن أبرزها "غار العيد"، ويلجأ اليه كبار السن سابقا وقد عرف بهم، لأن فتحاته واسعة مما يجعل الدخول إليه سهلا، ولا يحتاج إلى الإضاءة وهو اضافة الى اتساعه وعلوه ، يشبهه الكثير من الزائرين والمختصين بالآثار بالمسارح الرومانية الشهيرة، وأشار الشروقي الى ضرورة الاستفادة من تلك الكهوف بشتى الطرق بدلا من تركها مهملة ومهجورة ومن الاقتراحات المطروحة هي الاستفادة منها كقاعة عرض مسرحي أو معارض فنية تشكيلية او اماكن للعروض العائلية او غيرها من الافكار والمقترحات التي قد تمنح المكان اهمية اكبر مما هو عليه الآن.
ويضيف: من المعلومات المهمة التي تدعم هذه الافكار والاقتراحات هي ان المكان يتسع لنحو 300 شخص تقريبا مما يساعد على تنفيذها ايضا هناك العديد من المغارات منها غار "الميهوب" و"غار عزيز"، و"غار مهدي"، و"غار الذهبي".. وغيرها وتختلف في احجامها ومساحاتها ولكل منها ميزة خاصة اضافة الى ان اغلب تلك المغارات ضيقة جدا ولا يمكن الدخول لها بسهولة.
كنز للمخطوطات
وكانت مغارات جبل القارة في السابق مكانا لرمي وحفظ المخطوطات القديمة المهترئة والممزقة وخاصة الدينية مثل القرآن الكريم ولقد تمكن عدد من المهتمين بالتراث والمخطوطات من جمع العديد منها من مغارات الجبل.
يقول الباحث التاريخي عبدالله الشايب. كان الجبل يضم العديد من المخطوطات التاريخية اضافة الى ان جدرانه كانت تحمل الكثير من الكتابات التي يعود تاريخها الى مئات السنين وقد ضاع بعضها وتم حفظ بعضها الاخر ولكن ما يندى له الجبين هو تعمد الكثير من الزائرين لتشويه المكان بالكتابة على الجدران او اتلاف بعض محتويات الجبل مما قد يفقد المكان اهميته واعتقد بان ما تسبب في ذلك هو اهمال الجهات المختصة لجبل قارة وعدم متابعتها له فالسلالم والالعاب والجلسات التي وضعت قبل سنين عديدة ولم يضاف عليها أي شئ يذكر اضافة الى انه لايوجد في المكان أي مكتب للجهة المشرفة عليه ولانعرف الى الآن اي جهة تشرف عليه.
مصنع الفخار
ويقع في احدى غارات الجبل من الجهة الغربية مصنع طاهر الغراش للفخار الذي لازال يعمل مع عدد من أفراد عائلته لغاية اليوم في صناعة الفخار بنفس الطريقة التقليدية، ويعتمد هذا المصنع من سنين طويلة في عملية صناعة الفخار على الأتربة المتساقطة من الجبل وهي ذات جودة عالية، وهذا المصنع من المواقع التي يحرص زوار الجبل وخاصة الأجانب على زيارتها وشراء بعض ما يصنع من تحف جميلة والتقاط بعض الصور.
مشاريع سياحية
جمال وروعة المكان لم تشفع له بأن يحظى بالعناية والاهتمام وظل واقفاً وحيدا يصارع التشويه والتعرية رغم انه مصدر جذب لكثير من السياح الاجانب والعرب والخليجيين الذين يقبلون عليه باستمرار وكما يقول احد سكان الاحساء لو ان بلادنا ليس فيها سوى جبل قارة لكان كافيا له بأن يكون مصدر جذب للسياح قادرا على بناء نهضة سياحية كبيرة.فهو احد اساطير واعاجيب زماننا. ويطالب عبدالله اليامي أن تمتد له يد النهضة والتطوير والاستثمار بما يناسب ويلائم تاريخ ومكانة هذا الجبل الفريد في منطقة لا تعرف الجبال(ساحل الخليج)، ويناسب مرحلة التطوير في السعودية، فمستوى المشاريع الجانبية والنظافة والإنارة متدنية جدا، وافتقاد الموقع للمشاريع السياحية كالمطاعم والبوفيهات السياحية والمجمعات التجارية والمقاهي التي من الممكن أن تقام على جوانب الجبل من جميع الجهات، والتي تطل على أجمل منظر للنخيل والأشجار الخضراء، واستغلال الموقع في مجال التسلق وإنشاء التلفريك، وإقامة المهرجانات الوطنية والشعبية فيه واستغلال بعض جوانبه في إنشاء الصالات الخاصة بالثقافة والتراث، والملفت على الرغم من طرح الجبل للاستثمار من بلدية منطقة الأحساء قبل سنوات إلا انه لم يتقدم له أي مستثمر جدي!
ويتساءل: متى يجد جبل القارة الاهتمام المناسب ليبرز أمام العالم كأعجوبة من عجائب الدنيا؟