-A +A
جولة: د. محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق
لماذا لم تستثمر آثار مدائن صالح سياحيا حتى الان؟ مما لاشك فيه ان الجدل المثار حولها من ناحية الحرمة الدينية كان له آثر كبير في ذلك.. ولكن هل حرم قرار هيئة كبار العلماء الصادر حول آثار مدائن صالح امكانية استثمارها في مجالات السياحة؟ وعلى ماذا كان ينص القرار؟ زين بن معزي بن صالح العنزي الباحث التاريخي وصاحب معجم وتاريخ القرى في وادي القرى يقول: في عام 1392هـ اكثر الناس الحديث عن جواز سكن الحجر والعيش فيه خصوصا بطن الوادي وقرب الآثار فرفع الامر لولاة الامر وذلك في حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عرض "رحمه الله" الامر على اهل العلم في البلاد السعودية فصدر عن هيئة كبار العلماء رقم (9) في 6143931//هـ. وقد جاء فيه "الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد محمد وعلى آله وصحبه وبعد: ففي الدورة الثالثة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين 143931//هـ و 7143931//هـ, وبناء على ما جاء في الفقرة الثانية من القرار رقم (7) الصادر عن هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية لمجلسها المنعقد في النصف الاول من شهر شعبان عام 2931هـ من ارجاء تحديد الممنوع احياؤه من ديار ثمود حتى يقدم للمجلس بحث مستوفى من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بعد تطبيق ذلك على واقع الارض بواسطة اهل الخبرة في تلك الجهات وبالاشتراك مع بعض الفنيين لرسم ذلك ليتم البت في تحديد الممنوع احياؤه من غيره.


بناء على البحث المقدم من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بعد شخوصها الى ارض الحجر ومشاهدتها اياها واتصالها باهل الخبرة في تلك الجهات وما اشتمل عليه البحث من وصف كامل لمشاهدتها ومن خارطة تقريبية لها ولما فيها من آثار وجبال ووديان ومزارع وغير ذلك في الدروة الثالثة لمجلس الهيئة_ جرى استعراض النصوص الواردة في ذلك والتي يمكن ان يستند عليها في التحديد وهي مايلي: قال تعالى "واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين" وقال تعالى:" وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم ان يصيبكم ما اصابهم الا ان تكونوا باكين ثم قنع رأسه واسرع السير حتى اجتاز الوادي,وروي ايضا بسنده عن نافع ان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما اخبره ان الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ارض ثمود الحجر واستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم ان يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة, واخرج معلقا بصيغة الجزم قال ابن حجر في الفتح وصله البزاز من طريق عبدالله بن قدامه عنه انهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتوا على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم انكم بواد ملعون فأسرعوا وقال من اعتجن بمائه او طبخ قدرا فليكبها الحديث وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم الا ان تكونوا باكين حذرا ان يصيبكم مثل ما اصابهم ثم زجر فاسرع السير حتى خلفها قال النووي في شرحه قوله ثم زجر فأسرع حتى خلفها أي زجر ناقته نحذف ذكر الناقة ومعناه ساقها سوقا كثيرا حتى خلفها وهو بتشديد اللازم أي جاوز المساكن.
وروى الامام احمد في المسند بسنده عن نافع بن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كان يشرب منها ثمود ففجوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الابل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم ان يدخلوا على القوم الذين عذبوا قال اني اخشى ان يصيبكم مثل ما اصابهم فلا تدخلوا عليهم قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد سياقه هذا الحديث وهذا الحديث اسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه ولم يخرجوه أهـ وبناء على ذلك وحيث ان موارد النهي من هذه الاحاديث تأتي على امرين: احدهما: دخول مساكنهم سواء ما كان منها في الجبال او كان في السهول مما في الارض, الثاني: الاستقاء من آبارهم وقد وجد بين الاثار في الجبال والسهول ابار قديمة تواترت الاخبار فيما بين اهل المنطقة انها آبار ثمودية كما ان بعض هذه الاحاديث يدل على الامر بالاسراع في الوادي عند المرور به حتى يتم اجتيازه وعلى التقنع فيه.
وحيث ان الهيئة لم تجد نصوصا صريحة تحدد المنطقة تحديدا لا يكون للاجتهاد فيه مجال وحيث ان ما ذكره بعض اهل العلم بالتفسير والسير كابن اسحاق وغيره من تحديد ارض الحجر بثمانية عشر ميلا او بخمسة اميال لايمكن الاعتماد عليه في تحليل او تحريم مالم يكن معتمدا على مايثبت من كتاب او سنة. وحيث ان الاصل في الاشياء الاباحة حتى يرد دليل ينقل ذلك وحيث الاصل عن حكمه بناء على ذلك فان الهيئة تقرر ما يأتي:
أولا: منع الاحياء والسكن فيما يلي:
أ_ ماكان فيه أثار من جبال وسهول:
ب_ الأبار الثمودية.
ج_ مجرى الوادي ومفرشه.
ثانيا: ماعدا ذلك مما كان خارجا عما منوه عنه اعلاه وداخلا في محيط سلسلة الجبال القائمة فان الهيئة تقرر بالاكثرية جواز احيائه والسكن فيه لان الاصل في الاشياء الاباحة حتى يرد دليل الخظر وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
عبدالله بن حميد, عبدالله خياط, رئيس الدورة الثالثة: محمد الامين الشنقيطي, عبدالعزيز بن صالح, عبدالحميد حسن, عبدالرزاق عفيفي الى وجهة نظر مرفقة، ابراهيم بن حمد آل الشيخ, سليمان العبيد, عبدالعزيز بن باز, عبدالله بن غديان (مع توقفي فيما زاد عن الحدود داخل سلسلة الجبال المحيطة, راشد بن خنين محمد الحركان صالح اللحيدان انني متوقف فيما زاد عن ما حدد بمنطقة الآثار الى مجتمع الاودية من الجهة الغربية وموافق على مافيه من الآثار ولا أبالي, عبدالله بن منيع, صالح بن غصون (لي وجهة نظر مرفقه, محمد بن جبير) انتهى.
ويضيف العنزي: وبعد صدور هذا القرار قامت الدولة بتخطيط الاماكن الصالحة للزراعة ومزرعتها على الملاك من اهل الحجر وبقية المواطنين في الحجر وعمل سياج حول الاراضي التي صدر القرار بعدم جواز السكن فيها.
ويضيف: وهو ثروة وكنز اثري هائل نادر الوجود في آثاره وطبيعة ارضه واتوقع ان يكون له مستقبل سياحي كبيرا نظرا لكثرة رواده من كافة انحاء العالم ومن مختلف الديانات.
ملابسات حديثة
ومن الواضح ان قرار هيئة كبار العلماء تجنب مسائل التحليل والتحريم واكتفى بمنع الاحياء والسكن في بعض المناطق استنادا على ماورد في النصوص وعلى ماذكره اهل الخبرة لهم قبل مايقارب الـ (37) عاما على آثار الحجر وآبارها الثمودية بينما اثبتت الدراسات الاثارية انها جميعا نبطية وليست ثمودية فهل يعاد النظر في هذا القرار استنادا على ما استجد من دراسات وابحاث اثرية علمية في الحجر بعد صدور القرار السابق.
الاستثمار متى؟
ومن الملاحظ ايضا ان قرار هيئة كبار العلماء لم يتطرق الى تحريم استثمار المنطقة سياحيا والعناية بها والاهتمام بآثارها التي ظلت على مدى عقود طويلة عرضة للاهمال والعبث والتشويه من قبل بعض الجهال باهميتها وقيمتها التاريخية فتعرضت بعضها للهدم وكتابات العابثين وشخابيطهم غير المسؤولة.. فهل ستشهد اثار "مدائن صالح" نهضه سياحية توازي قيمتها الحضارية قريبا؟
العبث بالآثار
معظم المقابر الاثرية في مدائن صالح تعرضت لتخريب متعمد من بعض الذين يمارسون هواية الشخبطة على الجدران, ولكن الشخبطة هذه المرة تعدت الجدران لتطال اثارا عظيمة شوهت ملامحها وتعدت تعديا سافرا على حرمتها الاثرية وقيمتها التاريخية بجهل فادح وعدم احساس بالمسؤولية او القيمة التاريخية والانسانية التي تمثلها هذه الاثار العظيمة.
وراح بعض الجهال يكتبون ذكرياتهم واسماءهم ببخاخ "البويا" على واجهات القصور الاثرية وداخل المقابر.. وذلك نتيجة الجهل وعدم الوعي ونتيجة غياب الحماية الفعلية لهذه الاثار من قبل وكالة الاثارسابقا او من قبل الهيئة العليا للسياحة.
ويقترح عبدالرحمن محمد مطير وضع كاميرات مراقبة على هذه الاثار وتخصيص مرشدين سياحيين لمرافقة الزوار لهذه الاثار لضمان عدم العبث بها.
ويؤكد ان هناك شركة قامت بمعالجة هذه الشخبطات ومحوها ولكن رغم زوال الوان الكتابات الا ان بعض هذه الشخبطات لم تزل ابدا لانها كانت منقوشة على الصخور ولم تتمكن الشركة من ازالتها فبقيت تشوه جمال الاثار.
اطلاق النار
ويضيف مطير: لم يكتف المشوهون لهذه الآثار بالشخبطات ولكن معظم النقوش والنسور والتماثيل والوجوه تعرضت خلال فترات تاريخية متعاقبة الى تشويه اكبر حيث تعرضت جميعها لاطلاق النار على رؤوس النسور والحيوانات المنحوته والوجوه على واجهات القصور ربما لاسباب عقائدية او لممارسة هوايات سلبية بوضع هذه الاثريات كنصب للتدرب على الرماية واطلاق النار دون ادراك او وعي بأهميتها وقيمتها التاريخية وتم تخريبها كما هو واضح الآن.
الشخابيط والتوعية
مطلق سليمان احمد المطلق- باحث آثار في دارة الآثار والمتاحف في الهيئة العليا للسياحة والاثار بمحافظة العلا يقول: معظم هذه الكتابات والشخابيط الموجودة على الآثار قمنا بإزالتها وقد بدأنا قبل عام تقريبا في العمل على شقين الشق الامني وحراسة موقع مدائن صالح, والشق الاهم الذي هو التوعوي وقد اقمنا عدة محاضرات في عدد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية ونستقبل طلاب المدارس في المتحف وهناك تعاون فيما بيننا وبين ادارة التربية والتعليم في العلا, ومدراء التعليم السابقين والحاليين والمدرسون متعاونون معنا ونتمنى ان يعطونا المزيد من الاهتمام ونحن على استعداد لاعطائهم المحاضرات المختصة بالآثار وندخل فيها الجانب التوعوي عن الآثار واهميتها والحمد لله الجهد المبذول حتى الآن اثمر بشكل جيد ومعظم الكتابات والشخبطات الموجودة الآن قديمة ولا ابرئ بعض الشباب من هذه الممارسات السلبية وان كانوا يشخبطون على الجدران حتى الآن ولكن الظاهرة بدأت تقل وتنحسر كثيراً.
دراسات وتسجيل المواقع
ويشير المطلق الى ان الآثار انضمت للهيئة العليا للسياحة وتقوم الآن بتسجيل المواقع وترميم المواقع الاثرية والتاريخية والعناية بالمتاحف وتشغيلها في اوقات خارج الدوام, اضافة الى تهيئة وتجهيز جميع المواقع السياحية والمتوقع زيارتها كمواقع تاريخية في عموم مناطق المملكة ومن ضمنها المناطق السياحية في العلا سواء مناطق اثرية وتاريخية او مناطق سياحية. وما زال هناك الكثير من الدراسات التي تجرى للاستفادة من جميع هذه المعوقات الهامة كما يجب.
غصّة كبيرة
د. حامد الشويكان - مدير القطاع الصحي بمحافظة العلا من جهته يقول: مما لا شك فيه أننا نحن أبناء العلا نحس بغصّة كبيرة عندما نرى هذه الكنوز الأثرية العظيمة بيننا دون أن تستثمر, بينما ترتفع نسبة البطالة بين شبابنا كما هو مثبت في المخطط الاقليمي او في الدراسات. ويضيف: جميعنا نؤمل ان تكون الهيئة العليا للسياحة رافداً لتشغيل مشاريع استثمارية في المنطقة, وهنا أطالب بعقد ندوات استثمارية وجلب مستثمرين من خارج المنطقة, لأن جلب أموال استثمارية من خارج المحافظة سيكون لها تأثير اقتصادي كبير على نمو المحافظة ونهضتها وستعم الفائدة.
ويطالب د. الشويكان: عقد ندوات استثمارية لتوضيح فرص العمل المتاحة, وهنا نعوّل على دور الغرفة التجارية.
ويؤكد د. الشويكان أن دور الغرفة التجارية لا يتماشى مع تطلعات الأهالي ويقول: الموجود الآن هو فرع للغرفة التجارية لا يعتبر كافياً لتغطية تطلعات الناس اضافة الى عدم مشاركتها في الانشطة الاجتماعية في المحافظة, وذهاب ايراداتها الى المقر الرئيسي بالمدينة المنورة, وهذا الامر أصبح حديث المجتمع المؤرق في الحقيقة. حيث اصبح الجميع ينظر الى فرع الغرفة التجارية في العلا على انه مجرد مكتب لتحصيل الايرادات للمركز الرئيسي دون ان تستفيد منه المحافظة أي شيء يذكر.
مخطط طموح
أحمد بن شاكر الشهوان ـ محافظ العلا المكلف من جهته يقول: مما لاشك ان موقع العلا الطبيعي والجغرافي ومقومات السياحة فيها تفرض استثمارها سياحياً واقتصادياً, لأن فيها من الآثار التاريخية ومن المناظر الطبيعية ما يجذب السائح. وهناك مخطط طموح لاستثمارها سياحيا, وقد تم افتتاح فرع للهيئة العليا للسياحة والآثار بمحافظة العلا, والذي بدوره سيقوم بالاهتمام بهذه الامور. ويضيف الشهوان: وجود فرع الهيئة العليا للسياحة بالمحافظة دليل على الاهتمام بالتنشيط السياحي في العلا.