!..يا ترى احنا رايحين فين «2»
4 مارس 2008 - 22:47
|
آخر تحديث 4 مارس 2008 - 22:47
تابع قناة عكاظ على الواتساب
أحقاً نحن على مفترق طرق .. كنا نعيش في مكة في زمن كانت أيامه بيضاء بلون الحليب زمن الإيمان بالناس والإحساس بحياتهم زمن شديد العذوبة والإنسانية زمناً ليس من نسج الخيال زمناً عشته واعرف تفاصيله بكل مافيها من لمسات إنسانية كان ذلك زماناً لم يكن المجتمع فيه «خارج الخدمة» لازلت أحمل ذكرياته في «سنامي» أصحو كل ثلاثاء طفلاً ينفذ مايقوله له أبوه أقوم بشراء إفطار احد البيوت الفقيرة فول وتميس وفجل ولبن وأتجه بكل ذلك نحو ذلك الباب المصبوغ باللون البني الكاتم أطرق الباب وأترك كل ذلك امامه وبقية أطفال الحي يفعلون ذلك وفق جدول منتظم كان بيت الفقير مسؤولية جماعية اجتماعية تلتزم بها الحارة التي ينتمي إليها الفقير والآن يمر البعض منا أمامه كل يوم لحم حي يتأوه وسط هذا الثراء المذهل يستجدي ينظر إليه كفقاعة قرف هلامية يتفاداها بصمت مريب ولسان حاله يقول باشمئزاز ماهذا الهم الذي يطاردني لاتهزه امرأة تتلوى من الجوع مثل خرطوم إطفاء حريق ولا اطفال يقفزون شبه عراة مثل جراد المزارع هل ماكنا نعيشه زمانا خاصاً متميزاً !! وإذا كان لماذا لم نبق عليه أم أنه أصبح ماضياً فحسب مانفعله مع فقرائنا ومحتاجينا اليوم ليس منا ولسنا منه ثمة خلل ياقوم نعم ثمة خلل مايحدث الآن لايدل إلا على شيء واحد لاأرغب في وصفه بعبارات مائية لاتمس إلى الحقيقة من بعيد او قريب لقد أصبحت مشاعر البعض منا تحت كعوب أحذيتهم وتكلست أيديهم واعمتهم الفوضى اليومية عن قوله عز وجل «قد أفلح من تزكى» لقد أصبح الفقر مشكلة عالمية أثبتتها مجلة «النيوزويك» في عددها لشهر نوفمر 2007م وذكرت تجربة البرازيل والمكسيك وتشيلي وكيف ساهم الأغنياء في مكافحة الفقر تضامناً مع حكومتهم . وشرحت «النيوزويك» كيف أن الفقر طال حتى الدول الغنية وأنه أصبح في كل ركن من أركان الدنيا وذلك بسبب ارتفاع الأسعار التي أصبحت تنطلق في كل اتجاه بسرعة تقترب من سرعة الصاروخ ولقد أعلن الملك الصادق الشجاع «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود» حفظه الله قبل مجلة «النيوزويك» أن هناك فقراً في المملكة وللأسف ان بعض الأثرياء اعتبروا ذلك التصريح مشكلة الحكومة فوقفوا موقف المتفرجين وهذا هو عين الخطأ فالفقر في كل الدول الغنية منها والفقيرة ليس مشكلة حكومة فقط بل مجتمع أيضاً ولو ألقينا نظرة على عدد الأغنياء لدينا وقمنا بحسبة بسيطة وغوص أكثر وأكثر في موضوع الزكاة الحقيقية التي قال عنها عز من قائل «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» سنجد العجب العجاب .. الفقر لدينا أصبح مشكلة وهذا ليس عيباً ولكل مشكلة حل والحل ان تتضافر وتتضامن الحكومة وأثرياء هذا البلد لحل هذه المشكلة أقول أثرياء هذا البلد فهل تفهمون نعم لاأحد غير الأثرياء سيغير سيناريو الفقر في هذا البلد وأي مجتمع يعتمد على الحكومة فقط لحل مشاكله مجتمع مفكك لايستحق الحياة في كل العالم هناك حكومة تعالج المشاكل وأثرياء يمدونها بالوسائل لتغير الواقع المر .. لو جاءت حكومة من المريخ أو من يوتوبيا المدينة الفاضلة لأفلاطون لن تحل مشكلة الفقر منفردة .. بل جيتس عرف كثري عبقري ولكن شهرته كمحسن طغت على ثرائه وعبقريته والمهندس محمد عبد اللطيف جميل عندما تبنى فلسفة تشجيع المشروعات الصغيرة باعتبارها توفر مصدر دخل للفقراء صفق له الجميع لأنه تحرك مميز محمود في الاتجاه الصحيح والشيخ محمد عبود العمودي عندما طرح فكرة مبرة العمودي الخيرية على المسؤول تحول الحلم إلى حقيقة في غمضة عين وأصبح المشروع نموذجاً متميزاً لتضافر مجهود رجل الأعمال مع الدولة لقد آن الأوان ان تقوم مكينة الإعلام بدورها نحو تغيير عقلية بعض أصحاب الثروات الذين أصبحوا يجلسون كالحراس الخائبين على أموالهم والذين أصبحت وجبتهم المفضلة العزف على نغمة تنظيف الشوارع من المتسولين واستهداف الفقراء وجنسياتهم وبشرتهم ووضعهم الشرعي والقانوني غافلين عن الفقر نفسه كمشكلة اجتماعية لابد ان نعمق مبدأ أن للحياة غاية أهم من الحصول على شيء فيها بعيداً عن المشاركة لابد أن نعمق مبدأ أن عدد السعداء الراضين يزداد بالتكاتف الاجتماعي لابد أن نكثف مفهوم التفريق بين مانحتاجه ومانريده لابد ان نوقف هذا اللغو المقذع في المجالس والذي أصبح يزكم الأنوف لتجنب المشكلة وليس حلها لابد أن يقوم معشر الكٌتاب والمثقفين ووسائل الإعلام بممارسة تأثيرهم الاجتماعي وحمل مشاعل الأفكار الإيجابية في هذا الاتجاه لابد ان ننشط الذاكرة تجاه المحسنين الذين ينظر إليهم المجتمع بعيون الإعجاب ونقدر جهودهم ونسلط عليهم الضوء ليكونوا قدوة لابد ان نساهم معاً في تثقيف المجتمع عن كيفية الإنفاق في الاتجاه الصحيح فالإنفاق الصحيح هو ترمومتر قياس قيمة الحياة وهو الشهادة اليومية الحية على مدى جدية مواجهة أوجاع هذا المجتمع .. هذا المجتمع الذي أصبحت ترتفع فيه المجمعات والمولات التجارية كل يوم بنفس معدل زيادة الفقر.