الحجاج وعامة المسلمين على أبواب يوم عرفة، من لبى نداء الحج فإنه سيصل الى عرفات الله مكانا وزمانا لأن الحج كما ورد في الحديث الصحيح عرفة، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج لأنه ركن أساسي في الحج لا يجبره شيء، وعرفة موقف تسكب فيه العبرات وما من حاج إلا وقد تجرد من كل شيء في دنياه وأقبل على ربه بنسمات روحه وهمسات قلبه يستجدي دموعه ان تهطل في عرفات حيث في هذا الموضع يقرب العبد من ربه وقد ورد ان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في اللحظات الأخيرة من يوم عرفات وهو مستغرق في دعاء ربه سُمع وهو يتمتم بصوت شجي وكله بكاء وهو يقول “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة” مشيرا في ذلك الى دنو أجله ورحيله الى الدار الآخرة والآخرة خير وأبقى، وقد تأكد لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان حجة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي حجة الوداع، عندما نزل قوله تعالى في يوم عرفة {اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} فقال رضي الله عنه: ليس بعد الكمال الا النقصان، لقد استعبر عمر عينيه فانسكبت العبرات.
ان حلاوة الايمان وطعمه ولذته هي التي تقود لأن يسكب الانسان العبرات، وفي الحديث الصحيح: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان، أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود الى الكفر بعد ان أنقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار.
لقد تمثلت كل واحدة مما جاءت في الحديث في شخصية كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع، أما من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما فهو ذلك الصحابي الذي لم يُعرف اسمه الى الآن ولا من أي قبيلة هو لكن الله يعرفه، قدم الى الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلن ان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما، فسقط في يوم عرفة عن دابته فوكزته الدابة فمات، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله بالماء والسدر وتكفينه ودفنه في عرفات ليبعث يوم القيامة ملبيا على صورته يوم مات في عرفات يوم ان سكب فيها العبرات.
أما أن يحب المرء لا يحبه الا لله فهو بحث النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، عن أسامة بن زيد وترشيحه دون غيره من الصحابة ان يكون رديفه على الدابة بين عرفات ومزدلفة وليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا للتأكيد على مبدأ رباني وهو الحب في الله وهو ما تتساقط عن يمينه وشماله العشيرة والقبيلة والعصبية، انه يوم عرفة للاعلان الكبير عن التقوى التي بها يمكن ان نفرق بين الأبيض والأسود والعربي والعجمي، إن أسامة بن زيد وهو قادم يركب مع النبي صلى الله عليه وسلم ليكون رديفه ليس إلا رجلاً أسود وأفطس وأجعد الشعر لكنه حب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحبه إلا لله.
أما ان يكره ان يعود الى الكفر بعد ان أنقذه الله منه فيتمثل في شخصية شابة حضرت يوم عرفة وكانت خير معين للنبي صلى الله عليه وسلم في توصيل صوته وكلامه للناس في خطبة يوم عرفة، إنه الشاب ربيعة بن أمية بن خلف الذي كان والده من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وقتله الرسول عليه الصلاة والسلام يوم بدر مع الكافرين فتحرر ابنه ربيعة من الكـفر وأسلم وكره ان يعود في الكفر بعد ان أنقذه الله منه فورّثه حلاوة ايمان في قلبه جعلته يسكب العبرات في عرفات وهو ينقل للناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الله ينظر الى أهل عرفــات في يوم عرفات وقد جاؤوا ليسكبوا العبرات ليقول لهم: امضوا فقد غفــرت لكم فاللهم اشملنا معهم برحمتك وفضلك.

skorim@kau.edu.sa