شرع الله سبحانه وتعالى العبادات وفرضها على عباده لتهذيب نفوسهم وتقوية صلاتهم بخالقهم فليس هناك دين بدون عبادة. فالروح في حاجة لمن يغذيها، فهي تجوع كما يجوع البطن، والإنسان بطبعه يحتاج إلى من يلجأ إليه في الشدائد والمحن يطلب العون والحماية، يقول تعالى: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}. فالدين جعله الله من الفطرة، والعبادة مظهر من مظاهر الدين والإنسان يميل بالفطرة إلى اليسر وعدم التكلف واتخاذ الجانب الأسهل. لذا فإن الشريعة لم تهمل هذا الجانب بل رعته وندبت إليه فهو رحمة الله بعباده لا يكلفهم ما لا يطيقون، يقول الحق {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، فسهل الحق علينا سبحانه وتعالى الكثير من أمور العبادة في الصلاة والصيام والحج وباقي الفرائض الأخرى فلم يجعل علينا في الدين من حرج فمن لم يستطع أن يصلي قائماً صلى جالساً ومن لم يستطع الوضوء فله أن يتيمم ومن لم يقدر على الصيام لمرض أو سفر فله الفطر في نهار رمضان. وقال رسول الرحمة للصائمين “ذهب المفطرون اليوم بالأجر”، في عتاب لأولئك الصائمين الذين لم يستخدموا رخصة الفطر رغم تعبهم ومشقتهم والإعياء الذي أصابهم وقيام المفطرين بخدمتهم ورعاية شؤونهم. فالتيسير في أداء العبادات حرص عليه الشرع وندب إليه في أداء الفرائض وتحقيق مصالح العباد في الدين والدنيا وأكد على ضرورة حفظ الضروريات الكلية الخمس للإنسان وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ولكن التيسير لا يعني الانفلات عن العبادة والتساهل في أدائها فهناك ضوابط وضعها الفقهاء الأصوليون لا يمكن تجاوزها حتى لا يفهم التيسير ورفع الحرج على أنه اهمال في ترك الفرائض وتساهل في أدائها فيحرم الأخذ بالرخصة للإنسان القادر وفي نفس الوقت يحرم تركها لغير القادر وهذا من عظمة الإسلام. وقد عرف البيضاوي الرخصة بأنها الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر كما أورد الغزالي في المستصفى أن الرخصة عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر عجز عنه مع قيام السبب المحرم فإنه لم يوجبه الله علينا كصوم ست من شوال وصلاة الضحى لا يسمى رخصة وما أباحه في الأصل كالأكل والشرب لا يسمى رخصة ويسمى تناول الميتة وسقوط صيام رمضان عن المسافر رخصة، ولعل من التيسير في الصيام أنه أباح الفطر للمريض والمسافر كما يجب الفطر على الصائم إذا خاف الهلاك كالشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يفطر ويطعم عن كل يوم نصف صاع من حنطة لقول ابن عمر “من أدركه الكبر فلم يستطع الصوم فعليه لكل يوم مد من قمح”. أما المرضع والحامل فلها رخصة الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم “ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعلى الحامل والمرضع الصوم”، وقال مالك تطعم المرضع عن كل يوم مداً لكل مسكين إن كان طفلها لا يقبل غيرها. وهذا واقعنا اليوم فالمرضع لا يمكن أن ترسل وليدها لترضعه أخرى. حتى وإن كان هناك من يرضعه لها فلها الإفطار والإطعام. وفي قول للحنابلة أن عليها القضاء والإطعام. وللشافعية أن عليها أن تقضي وليس عليها إطعام. وللحنفية أن على الحامل والمرضع القضاء وليس الإطعام المجموع للنوري 6\267. وهذا الاختلاف إنما هو رحمة بنساء هذه الأمة والحامل أوالمرضع لها أن تختار من أي المذاهب تشاء فإما تقضي وإما تطعم، كما أن دين الرحمة أباح الفطر للمسافر والمريض لقوله تعالى {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}. وقد أفتى الإمام مالك في مغنى المحتاج 1\437 أن من سافر سفراً تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء ويرى المذهب الحنفي جوازالإفطار والصيام في السفر لأن الرخصة للتخيير وقد تأول ابن عباس قوله تعالى {يريد الله بكم اليسر} على التخيير فقال لا نعيب على من صام ولا على من أفطر.
وكذلك الحنابلة يرون استحباب الفطر للمسافر والمريض وقد اتفق الشافعية مع قول الجمهور بجواز الإفطار لأنه رخصة يخير المريض والمسافر في الأخذ بها أو تركها، وتطبيقاً لمبدأ التيسير ورفع الحرج وقبول رخص الشرع لأن الله يحب أن يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه فليس هناك حجة لمن صام ورفض رخصة الإفطار وعرض نفسه للهلاك فهذه مخالفة صريحة لا تتفق وروح الإسلام.
وعلى من عليه القضاء أن يصوم دينه متتابعاً أو غير متتابع لقوله تعالى {فعدة من أيام أخر}، بصيغة التنكير وإن كان التتابع أحب بدائع الضائع 2/76. كما أن للمفطر في رمضان تأخير قضاء دينه إلى شعبان المقبل لحديث عائشة “يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع قضاءه إلا في شعبان” للشغل برسول الله فكانت تصوم بصيامه إذ كان صومه صلى الله عليه وسلم أكثر ما يكون في شعبان ومن أخر قضاء صوم من رمضان إلى رمضان ثان بعذر قضاه ولا كفارة عليه ومن أخره بدون عذر لزمه إطعام مسكين عن كل يوم. وقال أبو حنيفة والنخعي لا كفارة عليه. مغني المحتاج 441/1. فهذه صورة من صور التيسير في العبادات وصدق الحق {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، اللهم وفقنا لقيامه وصيامه وحسن أدائه.
فاكس/ 6975040
E. Mail: nyamanie@hotmail.com
التيسير في العبادات
22 سبتمبر 2007 - 22:17
|
آخر تحديث 22 سبتمبر 2007 - 22:17
تابع قناة عكاظ على الواتساب