في فتوى لرئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر الدكتور عزّت عطية تبيح إرضاع الكبير محللاً الخلوة بين رجل وامرأة غريبة عنه في مكاتب العمل المغلقة وأن هذا الإرضاع يبيح الخلوة ولا يحرّم الزواج. وبعيداً عن التشنج. وأصل هذه الفتوى أوردها البخاري وهي موجودة في كتب الفقه والحديث تحت باب إرضاع الكبير. فحواها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل برضاع سالم ففعلت وكانت تراه ابناً لها. وقد روى الإمام مالك وأحمد أن أبا حذيفة تبنّى سالماً وهو مولى لامرأة من الأنصار. كما تبنّى النبي زيداً على عادات تلك الأيام حتى نزل قوله تعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). فجاءت سهلة فقالت يا رسول الله كنّا نرى سالماً ولداً يأوي معي ومع أبي حذيفة ويراني فضلاً وقد أنزل الله ما علمت، فقال رسول الله: « أرضعيه خمس رضعات»، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. وقِيل أن أبا حذيفة عندما كبر سالم كان في نفسه شيء منه. هذا فحوى الحديث. وأذكر أستاذ الحديث الذي غاب عنه أن ليس كل حديث صحيح يجب العمل به فإن الذي عليه أهل العلم أن النصوص الشرعية تتجاذبها الأحكام الأصولية وقواعدها من الأخذ والرد بين الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيّد والعام والخصوص والمجمل والمبين والظاهر والحقيقة والمجاز والمشتركات اللفظية والمعنوية ودلالات الاقتضاء وعموماتها ومفاهيم الموافقة والمخالفة وعبارات النص وإشارته وصيغ الأوامر والنواهي ودلالاتها على الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم والعوارض من مرتبة لأخرى إلى غير ذلك من الأحكام الأصولية المتبعة في استنباط الأحكام الشرعية من نصوصها ثم أحكام ترتيب الأدلة بدءاً بالأقوى ثم ما يعتريها من أحكام التعارض وقواعده وأسس الجمع والتوفيق إن أمكن بين المتعارضات كما ذكرها الغزالي في (المستصفى) (2/395) ثم ما تعتريها من أحكام التراجيح بالمرجحات لإعمال أحد الدليلين أو إعمالهما معاً أو إيقاف أحدهما أو إيقافهما معاً كما بيّنها ابن النجار في (الكوكب) (4/752)، ثم في آخر هذه المراحل تدخل هذه النصوص في أحكام الأولويات الأصولية وفق القواعد المتبعة لدى كل إمام. فلا بد لأي نص شرعي قبل الاعتماد عليه في استنباط الحكم منه لا بد من المرور به عبر هذه القنوات وفق ترتيب معين معروف بين الفقهاء حتى يمكن العمل به بصرف النظر عن كونه في البخاري أو مسلم أو ما تقبلته الأمة بالرضا والقبول. فصحة النص لوحدها لا تقتضي وجوب العمل به بل ينبغي أن يُضاف إليها ما تقدّم من الأحكام الأصولية. فحديث رضاع الكبير على فرض صحته، معارض بنصوص أخرى أقوى منه في الدلالة والثبوت والمتن والسند. يقول تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين). فهذا هو الرضاع المحرّم وحدّده الله بحولين. وحديث ابن عباس لا رضاع إلاّ في الحولين. وقول مالك: ما كان من الرضاعة بعد الحولين قليله وكثيره لا يحرم شيئاً إنما هو بمنزلة الماء. كما اتفق الجمهور أن رضاع الكبير لا يحرم. كما أن الوقائع تؤكّد أن سهلة لم ترضع سالم على كبره بعد أن صادفته في الشارع أو تعرّفت عليه في العمل وإنما نشأ وتربّى في حجرها طفلاً صغيراً، فالعلة أن سالماً تربّى في حضن سهلة ولا يمكن لهذا الحديث بعلته هذه أن ينشر الحرمة بالرضاع إلاّ في الوضع والكيفية والظروف التي كان عليها سالم أي طفل صغير تربّى ونشأ في حضن سهلة.
إن شرط القياس ألا يكون هناك فارق بين الأصل والفرع. فالأصل قول رسول الله: «أرضعيه» يعني سالماً وهو تربّى في حِجرها. والفرع هو قياس دكتور الحديث على إرضاع زميل العمل. فالقياس مع الفارق باطل بإجماع الأئمة. إن مما يرد بالعقل في هذه القضية القول بأن عائشة كانت تأمر بنات أختها بإرضاع من ترغب من الرجال بالدخول عليها. وهذا مردود لأن عائشة لا يمكن أن تخالف رسول الله وتعارضه وهي تعلم قصة ملابسات إرضاع سهلة لسالم، وهذه من الأكاذيب التي قِيلت عنها، وعائشة رضي الله عنها لا يمكن أن تخالف رسول الله وتأمر بإرضاع أي عابر سبيل لنشر الحرمة وللدخول عليها وهي تعلم علة الإرضاع في قضية سالم، وقد أجمعت أمهات المؤمنين على رفض هذا الإرضاع كما أن عمل الصحابي مرفوض إذا خالف قول أو فعل رسول الله.