أما بعد فإنني دوما منحاز إلى اعتبار المتحف مكان (قصة وليس خزنة)، أداة لإثارة أسئلة (وليس دهشة فقط)، وبوابة إلهام، وإعادة صياغة ومحاكمة التاريخ وفق أدلة مادية، بعيدا عن المكتوب، أو المنقول.
تراودني أفكار عن أهمية تركيز المتحف الإسلامي (أينما يكون) على مهمتين أساسيتين، الأولى تعريفية عن الإسلام بأسلوب محايد، والثانية تقدم اختصارات عن أثر انتشار الإسلام في مزج وخلط الحضارات، الصناعات، والثقافات الإنسانية.
نستطيع اختصار التعريف المحايد بجمل قصيرة على نحو: الإسلام إحدى الديانات السماوية الثلاث الباقية على الأرض، (اليهودية، المسيحية، الإسلام) - استقبلت الأرض ديانات سماوية كثيرة، لم يبق لها أتباع، أو نصوص من كتبها، بينما يوجد دلالات في نصوص الكتب السماوية ( اليهودية، المسيحية والقرآن) أسماء رسل وأنبياء وأماكن للديانات السماوية الغائبة.
وتكون المهمة الثانية للمتحف تقديم الإسلام على أنه صديق الحضارات، وأن انتشاره (جغرافيا وشعوبيا) سبب أساسي في وحدة مجموعة من الحضارات التي كانت متباعدة لأسباب سياسية، أو عدائية، دينية، عنصرية، قومية، وبينها حروب طويلة. بينما نتج عن اتساع الإسلام كدولة تداخل طويل، وبالغ التأثير المتبادل، بين حضارات قوميات متنوعة من أقصى آسيا إلى وسط أوروبا وبينهما كانت أفريقيا.
تستطيع محتويات المتحف الإسلامي (إذا تم رصفها بعبقرية) سرد أثر الإمبراطوريات الإسلامية الواسعة على الحضارات من خلال فتح الأسواق على بعضها، وحرية الحركة والانتقال لكافة شرائح الناس، وأيضا الإقامة بصفة مؤقتة أو دائمة، هذه الحرية كانت ممنوحة حتى لغير المسلمين، كما أن اتفاقات سلم وحسن جوار مع جيران الدول الإسلامية سمحت لفترات طويلة بانفتاح أسواق وحريات انتقال لدى كل الشعوب.
يجب على المتاحف الإسلامية ملاحقة التأثير الإنساني للإسلام حتى في بلدان لم تعد ترغب في ربط جزء من تاريخها مع الإسلام، لأننا لا نجد صعوبة في تبني فكرة التفريق بين الإسلام كدين، والإسلام كدولة، فالإسلام كأداة بناء حضارة أكبر بكثير من اختزاله بسيادة سياسية أو عسكرية.
يقيني المطلق بأن أول مهمات المتاحف الإسلامية تقديم رسالة تصالح (فاتح شهية) مع الزائر المنتمي لديانات سماوية (غير الإسلام) أو بقية الثقافات الإنسانية، مع تحميل المتحف جزءا من مسؤولياته، وأولها إزالة تصورات خاطئة تم غرسها في العقل غير المسلم عن الإسلام بصفته تمددا عسكريا فقط، وغير متسامح مع حريات الأديان، أو الأفراد.
تحتاج المتاحف الإسلامية، بما فيها المتحف - الإسلامي المولود على الأراضي السعودية قريبا، وفق رؤية 2030 - إلى تحويلها إلى محاضرة في التاريخ، محاضرة تصحيحية، يتم تقديمها بأسلوب لا يجرح الزائر غير المسلم، ولا يحرج أبا (سواء مسلم أو غير مسلم) أمام أطفاله عندما يكررون عليه (إيش هذا يا بابا) فالمتحف قصة وليس مجرد خزنة.

Jeddah9000@hotmail.com