لكي نسمي الأشياء بأسمائها فإن الصغار أو الأقزام في حياتنا ليسوا أولئك الفقراء أو قليلي الحيلة من الشرفاء الذين يقبلون ما كتبه الله لهم ويذودون عن أوطانهم بطيبتهم وأرواحهم وأبنائهم. الأقزام الفعليون هم أولئك الذين يوالون أسماء أو دولا أو أجندات أجنبية. يتساوى في ذلك المحسوبون على الطيف الشيعي والطيف السني، إذ لا فرق عندي بين طيف وطيف طالما فقد الشخص كرامته الوطنية وشرفه القومي وأصبح يسبح بحمد وفضل أجنبي عنه وعن قوميته، إلى الدرجة التي يخيل إليك فيها أن انتماءه أصبح خارج حدود وطنه وأن ولاءه، في السر والعلن، مجير لغير قادته وأهله.
طبعا الناس في ذلك ينقسمون ما بين قاصد لهذا الانتماء والولاء الخارجي لأغراض ومؤامرات حزبية، ومجاميع بشرية جرى تجهيلها أو التغرير بها باسم الدين وبيضته وحماته. هؤلاء الحماة الذين يقعون هذه الأيام خارج حدود بلدان العرب وليسوا عربا. وليس بدعا أن الأجندة الحزبية، الإخوانية بالذات، تغذي ذلك وتصر عليه في مخاطبتها للجماهير التي يجري استقطابها وتقطيع انتماءاتها الوطنية والقومية لحساب هذه الرموز أو الدول الخارجية.
ما يلحظه المراقب، أيضا، أن هذه الآلة الحزبية النشيطة تزين للناس مد ارتباطاتهم وانتماءاتهم خارج حدود الدولة الوطنية، مرة بالقول إن الإعجاب بالنموذج الأجنبي الناجح ليس عيبا أو مثلمة، ومرة بتخوين كل من يعارض أو يقاوم هذا الفعل غير الوطني وغير القومي، من خلال اتهامه بخيانة الدين نفسه. أي أن اللعب في هذه المسألة يستخدم العواطف الدينية ليبني عليها النتائج السياسية التي يتوخاها ويتحين جاهزية اقتطافها.
أن تعجب بنموذج بشري أجنبي على مستوى القيادة أو البطولة من أي نوع أمر طبيعي ولا عيب فيه، لكن أن تعمل على تقريب هذا النموذج من درجة الأنبياء أو الصحابة أو آل البيت، فهذا يعني أنك تريد أن يتجاوز الناس، تحت وطأة عواطفهم، مرحلة الإعجاب إلى مرحلة الانتماء والولاء الذي يؤدي، كما تأمل، إلى الكفر الصريح بالدول الوطنية والانقلاب عليها. وهذا بالضبط ما نقاومه الآن في صورة المنقلبين من الدواعش وغيرهم على أوطانهم وشعوبهم بعد أن زين لهم، أو غرر بهم، أن قادتهم وشيوخهم لا يرقون إلى مرتبة هذا أو ذاك ممن صدروا أنفسهم لحماية ثغور الإسلام والمسملين.
الأمر إذن خطير ويتطلب وقفات وطنية جادة تقطع الطريق على من اختاروا طائعين، لأغراض شخصية وحزبية دنيئة، التقزم أمام النماذج أو الأجندات الأجنبية مستغلين الانكفاء أو الانشغال أو الضعف العربي السائد، خاصة بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي. وعلى الأنظمة العربية والأوساط الفكرية والثقافية أن تتنبه لهذا الخطر باعتباره لا يقل عن خطر تهديد كيانات الدول بالإرهاب والترسانات العسكرية، إذ ليس أشد خطورة على أمن المجتمعات واستقرارها من أن يفقد الناس إيمانهم بأوطانهم واعتزازهم بقادتهم الوطنيين.
أخبار ذات صلة