ليست هذه هي المرة الأولى التي أسأل فيها هذا السؤال، إذ أن السنوات الأخيرة التي شهدت بعض الممارسات غير المقبولة لبعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصابت هذا (المنكر) بالتباسات كثيرة صعبت من فهمه وتحديد أطره، خاصة فيما يتعلق باعتقاد شخص ما أن هذا حق من حقوقه (طريقة الحجاب مثلا) بينما يعتبر عضو الهيئة أن هذا منكر. وكلنا نذكر أن طريقة قصة الشعر للفتى أو طوله أو (دلعه) كانت تستدعي حضور مقص الهيئة على الأشهاد في وسط السوق.
الآن أنا مجددا مع مطالبة مجلس الشورى بضرورة تفعيل بيان إرشادي، يضاف إلى ما يسمى برامج الخطة الإستراتيجية المعتمدة (حسبة)، لتوضيح وتحديد المنكرات التي تستدعي التدخل. وأظن أن ذلك سيكون صعبا على جهاز الهيئة الذي تراكمت لديه خلال العقود الماضية أطنان من المنكرات الاجتهادية الخاضعة، غالبا، لفروض اجتماعية وليست دينية. نحن نعلم، باعتبارنا مجتمعا قبليا حديث عهد بموجبات العصر وشروطه، أن لدينا من العادات والتقاليد المرعية والراسخة ما لا علاقة له بالدين. وأن هذه العادات والتقاليد تؤثر في علاقة الناس ببعضهم والحكم على تصرفاتهم.
أيضا نظرا لكون المناطق لدينا تتمايز في هذه العادات والتقاليد، فقد تعتبر منطقة أن إرثها مختلف عن إرث منطقة أخرى، وبالتالي يصعب على أهلها أن يقبلوا اعتبار هذا التصرف أو ذاك من المنكرات، كما هو معتبر لدى مكون آخر له ظروفه الجغرافية والمناخية والاجتماعية بشكل عام. ومن هنا، كما أتصور، حدثت كثير من المواقف والصدامات التي كان كل طرف فيها، البنية الاجتماعية الخاصة والهيئة، يجادل باعتباره على حق حتى من الناحية الشرعية. وقد حدثت، تحت طائلة هذا الالتباس، الكثير من المفارقات مثل أن تعاقب الهيئة أو تمنع تصرفا من شاب أو فتاة، مع أن الأب أو الأم، أي ولي الأمر الشرعي، راض عن هذا التصرف تماما.
لذلك، عطفا على مطالبة مجلس الشورى بتحديد المنكرات، على الهيئة وهي تكتب خطتها الإستراتيجة وتصيغ بيانها الإرشادي أن تفرز، بوضوح كامل، بين ثلاثة منطلقات: ما هو شرعي قطعي، وما هو مختلف فيه من الأحكام الشرعية، وما هو ناتج عن عادات وتقاليد المكونات الاجتماعية الخاصة. وإن لم تفعل ذلك فسوف يبقى الاختلاف بشأنها قائما ولن يرضى أغلب الناس، كما هو الحال الآن، عن تصرفات أعضائها.