-A +A
عبدالله صادق دحلان
الحرمان الشريفان وخدمة المسلمين ضيوف الرحمن كانت ومازالت من أهم أهداف الدولة السعودية منذ تأسيسها كما هي من أهم التزامات الرؤية المستقبلية الجديدة، والتي نصت ضمن أهدافها زيادة عدد المعتمرين إلى 15 مليون معتمر في عام 2020، و30 مليون معتمر في 2030، وتحقيقا لهذا الهدف التزمت الرؤية بتسهيل إجراءات طلب التأشيرات وإصدارها وتطوير الخدمات الإلكترونية المتعلقة بها.

ولتحقيق هذه الأرقام من المعتمرين جرت إنجازات كبيرة في توسعة الحرمين وتطوير خدمات المشاعر وإنجاز مشروع قطار المشاعر وقطار الحرمين وتوسعة ساحات الحرمين وإقامة مشاريع فندقية على الأراضي المنزوعة لصالح التوسعة مملوكة للدولة، والسماح للقطاع الخاص بتطوير الجبال المحيطة بالحرم مثل جبل عمر وجبل الكعبة والقضاء على العشوائيات لصالح توفير الإسكان الملائم للمعتمرين وحجاج بيت الله.


هذه أهداف خطة الرؤية التي يخطط القائمون عليها إلى الوصول إلى 30 مليون معتمر سنويا، وهو أمر ليس بالصعب أو المستحيل، لا سيما أن البنية التحتية قد أنجزت، إلا أنه وللأسف لم يقابل وسائل تحقيق هدف الرؤية خطوات تحفيزية مثل إلغاء رسوم الحصول على تأشيرات العمرة لمضاعفة أعداد المعتمرين، وهي معادلة متناقضة، إذ إن الهدف هو زيادة المعتمرين ولكن في الوقت نفسه يقرر المخططون رفع رسوم العمرة من 600 ريال إلى 2000 ريال بهدف زيادة دخل الدولة، والحقيقة يصعب علينا الربط بين زيادة رسوم العمرة لزيادة دخل الدولة مع زيادة عدد المعتمرين عن طريق زيادة رسوم العمرة.

إن الهدف الرئيسي من زيادة أعداد المعتمرين هو هدف اقتصادي يخدم حركة السوق الاقتصادية والتي تنعكس إيجابا على نمو الناتج المحلي والاستغلال الأمثل للبنية التحتية والخدمات الفندقية التي صرف عليها البلايين وخدمات النقل وغيرها من القطاعات الداعمة حتى نصل إلى زيادة قدرة القطاع الخاص على دفع الرسوم الجديدة المفروضة عليه، إلا أن تحقيق هدفين في الوقت نفسه يعتبر استحالة، زيادة دخل الدولة من رسوم العمرة الجديدة وزيادة عدد المعتمرين لزيادة نمو الناتج المحلي، ولو جاز لي الاقتراح لاقترحت تقديم تأشيرة العمرة مجانا لكل من يرغب أداء العمرة شهريا والحصول على التأشيرة مجانا تشجيعا للمسلمين القادرين على أداء العمرة للقيام بها وهم أعداد كبيرة من مختلف أنحاء العالم، أما الفقراء من المعتمرين وهم الغالبية لن يستطيعوا أداء العمرة بهذه الرسوم وسيكتفون بالحج وعمرة الحج. والحقيقة لم أر أي بعد اقتصادي في زيادة رسوم العمرة سوى زيادة دخل الدولة.

وفي نظري أن البعد الاقتصادي الحقيقي هو في زيادة عدد المعتمرين والإنفاق الذي سينفقونه في السوق السعودية، إن المتابع لوضع التشغيل في فنادق مكة المكرمة سيلحظ أن هناك بداية كساد في نسب التشغيل، في حين لم يبدأ تشغيل بعض الفنادق الممتازة الخمسة نجوم الجديدة تحت الإنشاء، وفي غياب الحجاج والمعتمرين الإيرانيين لأسبابهم، وغياب الأرقام المعتادة للمعتمرين من مصر للأسباب الاقتصادية، ومن غياب المعتمرين من العراق وسورية واليمن وتونس وليبيا، فإن سوق فنادق مكة المكرمة والمدينة المنورة سوف تعاني من أزمة بسبب انخفاض نسب التشغيل في مواسم العمرة.

إن المملكة العربية السعودية راعية الحرمين الشريفين وصاحبة أكبر إنجاز على مر التاريخ في توسعة الحرمين والتي أنفقت البلايين منذ تأسيس الدولة السعودية لتطوير المشاعر والخدمات والبنية التحتية لخدمة حجاج ومعتمري بيت الله قادرة على أن تقدم تأشيرات الحج والعمرة مجانا لحجاج ومعتمري بيت الله الحرام، وأجزم أن في ذلك بعدا إسلاميا وسياسيا واقتصاديا له انعكاس كبير على اقتصاد السوق السعودية وعلى مكانة المملكة في العالم الإسلامي.

إن اقتصاد مكة المكرمة والمدينة المنورة يقوم أساسا على الحجاج والمعتمرين، وإن سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة والمقيمين فيهما يعتمدون كثيرا على خدمة الحجاج والمعتمرين مباشرة أو غير مباشرة وكذلك القطاع الأهلي والمستثمرون في قطاع الفندقة الذين استثمروا البلايين ومعظمهم حصلوا على تمويل من البنوك بأنواعها التجارية والإسلامية، وأي خلل في اقتصاديات التشغيل سوف يؤثر في القدرة على الوفاء بعقود التمويل.

أتمنى على المخططين إعادة النظر في قرار رفع رسوم العمرة والحج ولو كانت ضرورة فلتكن رمزية لتحفيز الفقراء من المسلمين ومحدودي الدخل لأداء العمرة، علما بأن بعض الدول الإسلامية يعتبرون أن فرض الرسوم العالية على العمرة وبالعملة الصعبة سوف يخفض من احتياطي العملة الصعبة لديهم لخروجها من بلادهم.