-A +A
فهد البندر fahadalbandar@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، من الشعراء: دريد بن الصمة من هوازن، وهو فارس شجاع شاعر فحل، صنّفه الجمحي في الطبقات أول الشعراء الفرسان، وقد كان أطول الفرسان الشعراء غزواً، وأبعدهم أثراً، وأكثرهم ظفراً، وأيمنهم نقيبةً عند العرب. قال عنه أبو عبيدة: كان دريد بن الصمة سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم وكان مظفراً ميمون النقيبة، وغزا نحو مائة غزوةٍ ولم يخفق في واحدة منها، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وخرج مع قومه في يوم حنينٍ مظاهراً للمشركين، ولم يقاتل لكبر سنّه، وإنما أخرجوه تيمناً به وليقتبسوا من رأيه، فمنعهم مالك بن عوف من قبول مشورته، وخالفه لئلا يكون له ذكر، من شعره:

لِمَن طَلَلٌ بِذاتِ الخَمسِ أَمسى


عَفا بَينَ العَقيقِ فَبَطنِ ضَرسِ

أُشَبِّهُها غَمامَةَ يَومِ دَجنٍ

تَلَألَأَ بَرقُها أَو ضَوءَ شَمسِ

فَأُقسِم ما سَمِعتُ كَوَجدِ عَمروٍ

بِذاتِ الخالِ مِن جِنٍّ وَإِنسِ

وَقاكِ اللَهُ يا اِبنَةَ آلِ عَمروٍ

مِنَ الفِتيانِ أَمثالي وَنَفسي

فَلا تَلِدي وَلا يَنكَحكِ مِثلي

إِذا ما لَيلَةٌ طَرَقَت بِنَحسِ

إِذا عُقبُ القُدورِ تَكَنَّ مالاً

تُحِبُّ حَلائِلُ الأَبرامِ عِرسي

لَقَد عَلِمَ المَراضِعُ في جُمادى

إِذا اِستَعجَلنَ عَن حَزٍّ بِنَهسِ

بِأَنّي لا أَبيتُ بِغَيرِ لَحمٍ

وَأَبدَأُ بِالأَرامِلِ حينَ أُمسي

وَأَنّي لا يَهِرُّ الضَيفَ كَلبي

وَلا جاري يَبيتُ خَبيثَ نَفسي

وَتَزعُمُ أَنَّني شَيخٌ كَبيرٌ

وَهَل أَخبَرتُها أَنّي اِبنُ أَمسِ

تُريدُ أُفَيحِجَ القَدَمَينِ شَثناً

يُقَلِّعُ بِالجَديرَةِ كُلِّ كِرسِ

وَأَصفَرَ مِن قِداحِ النَبعِ صُلبٍ

بِهِ عَلَمانِ مِن عَقَبٍ وَضَرسِ

دَفَعتُ إِلى المُفيضِ إِذا اِستَقَلّوا

عَلى الرَكَباتِ مَطلَعَ كُلِّ شَمسِ

وَإِن أَكدى فَتامِكَةٌ تُؤَدّي

وَإِن أَربى فَإِنّي غَيرُ نِكسِ

وَمُرقِصَةٍ رَدَدتُ الخَيلَ عَنها

بِموزِعَةِ التَوالي ذاتِ قِلسِ

وَما قَصُرَت يَدي عَن عُظمِ أَمرٍ

أَهُمُّ بِهِ وَما سَهمي بِنَكسِ

وَما أَنا بِالمُزَجّى حينَ يَسمو

عَظيمٌ في الأُمورِ وَلا بِوَهسِ

وَقَد أَجتازُ عَرضَ الخَرقِ لَيلاً

بِأَعيَسَ مِن جِمالِ العيدِ جَلسِ

كَأَنَّ عَلى تَنائِفِهِ إِذا ما

أَضاءَت شَمسُهُ أَثوابَ وَرسِ