-A +A
كتب: فهيم الحامد falhamid2@
•• ونحن في خضم الحرب الوبائية التي اجتاحت العالم، تطل حرب أخرى في منطقة حوض النيل والشرق الأوسط؛ وهي حرب الصراع على المياه التي ربما ستكون الحرب القادمة لضمان الأمن المائي للدول المحيطة بالأنهار؛ كون الأمن المائي يعتبر من أهم الأولويات في المرحلة الحالية، وأصبح الصراع على المياه من العوامل المضافة إلى الوضع المتوتر أساسا في المنطقة.. ويدلل الصراع على المياه ظهور النزاع المصري- الإثيوبي حول سد النهضة، كمؤشر -لا قدر الله- لذلك، كون المنطقة أساسا مشتعلة وتشهد حالة عدم استقرار وحربا طائفية وظلامية ويسعى أعداء الأمة لجر المنطقة إلى حرب المياه التي تعتبر وجودية لعدم استقرار المنطقة.

وعقب تلويح رئيس الوزراء الإثيوبي بورقة الحرب للدفاع عن سد النهضة إذا ما اضطرت لذلك، وما تبع هذا التصريح من ردود فعل مصرية، تدور الكثير من الأسئلة حول مآلات أزمة سد النصر واحتمالات حدوث تصادم عسكري بين البلدين. ومن الأهمية بمكان العودة إلى الدراسة التي أجريت حول أزمة المياه في الشرق الأوسط التي نشرها معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن عام 1989، وجاء فيها أن الشرق الأوسط سيشهد في غضون السنوات الـ10 القادمة حرباً للسيطرة على مصادر المياه؛ نظرا لزيادة عدد السكان في تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادي مع انحسار وتضاؤل في كميات المياه المتاحة، لذلك فإن مثل ذلك الصراع قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول المنطقة. وقد لا تكون هذه الدراسة حتمية إلا أن ملامح هذا الصراع ظهرت جليا بين مصر وإثيوبيا من خلال الكلمات التي ألقاها وزيرا خارجية البلدين في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت الإثنين الماضي بناء على طلب مصر، هذه التصريحات التي عكست تصعيداً غير مسبوق، حيث تمسك كل طرف بموقفه مما يزيد التعقيد في هذه الأزمة المستفحلة.. وترافقت تصريحات المسؤولين في مصر عن فشل المحادثات الثلاثية مع إثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، بأصوات تطالب بالمواجهة العسكرية. وبحسب اللجنة الدولية للتغيرات المناخية فإن الوطن العربي هو المنطقة الأكثر نُدرة في المياه على مستوى العالم كله، وتصل حصة الفرد الواحد من الماء العذب بالوطن العربي، في المتوسط، إلى أقل من 1000 متر مكعب سنوياً، مع توقعات بانخفاض قدره 40% خلال العقدين القادمين بحد أقصى، مقارنة بمتوسط عالمي يتخطى حاجز 6000 متر مكعب.


•• في عام ٢٠٢٠ لم تعد الحرب الوبائية والنفطية والعسكرية هي محور الحروب، بل انضم مصطلح حرب المياه إليها ويؤمن الخبراء المعنيون بالأمن المائي بأن الحرب القادمة هي حرب المياه وقد تكون حول مياه النيل، لكون الأمن المائي والغذائي يعتبر العصب لأي دولة ولكون العطش أسوأ أنواع الموت البطيء. لقد قال الكاتب الأمريكي جول كولي في كتابه حرب المياه إن الشرق الأوسط بعد نضوب النفط سوف يشهد حروباً بسبب الصراع على المياه، ذلك أن خطط التنمية في المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط. لقد انتقل الصراع بين مصر وإثيوبيا إلى مرحلة متقدمة بسبب سد النهضة، فالمشروع سيكون أكبر منشأة لتوليد الكهرباء من المياه في أفريقيا، وهذا أثار خلافات مع دولتي المصب الجارتين مصر والسودان، اللتين تخشيان أن يحد من مواردهما المائية الضرورية. ومع إعلان إثيوبيا عزمها بدء ملء السد، تصاعدت حدة الخلافات بين شعوب الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان. والجدل حول مياه نهر النيل؛ حوار أو صراع، ممتد لأكثر من قرن مضى، خلال تلك الفترة كانت مصر قد حصلت على امتيازات قوية للتحكم في أي مشاريع تُهدِّد حصتها من المياه، لكن مع النمو السكاني والاقتصادي المتسارع تعاملت إثيوبيا مع ملف مياه النيل كقضية حياة أو موت، وبالنسبة لمصر فإنه أيضا قضية حياة أو موت. بالفعل بدأت أجواء التوتر السياسي في الظهور بين البلدين خلال السنوات القليلة الفائتة، لكن المشكلة التي تُهدِّد هذا الصراع، وبقية الصراعات حول المياه في الوطن العربي، هي أن المستقبل غير مضمون. ويشكل مشروع سد النهضة الضخم على النيل الأزرق، الذي أطلقته إثيوبيا عام 2011، مصدراً لتوتر إقليمي، خصوصا مع مصر، التي يمدها النيل بنسبة 90% من احتياجاتها المائية، والتي تعاني بالفعل شُحاً في المياه حتى قبل بدء ملء السد. ومع قرب الموعد الذي حددته إثيوبيا لبدء ملء بحيرة سد النهضة الشهر المقبل، بدأ بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الحديث عن الخيار العسكري. ويحرم السد المصريين من 20 مليار متر مكعب من نصيبهم الحالي البالغ 55 مليار متر مكعب وذلك خلال سنوات ملء السد المختلف عليها بين مصر وإثيوبيا.. في جميع الأحوال لا أحد يرغب أن تدخل المنطقة في حرب حول المياه.. كون المنطقة لا تتحمل الحروب وما نأمله أن يتم حل أزمة سد النهضة وفق الحوار واتفاق عادل.. فالأمن المائي لكل من مصر السودان هو جزء لا يتجزأ من الأمن العربي.. العالم ما زال تحت تأثير الحرب الوبائية والنفطية.. ولا نعرف مآلات أزمة سد النهضة.. إنها حرب المياه القادمة.. معركة الأمن المائي الوجودية.