-A +A
عدنان الشبراوي (جدة) Adnanshabrawi@
أكدت محكمة جدة الجزائية حق كل متهم الدفاع عن نفسه، وقالت إن ذلك حقٌّ معظّمٌ لا يسوغ المساس به، وأوضحت في معرض تسبيبها خلال محاكمة شاب في تهمة جلب 5100 حبة مؤثرة عقلياً (زرقاء اللون) معبأة في بكرات خياطة أن القضاء استقر على هدي من المبادئ في حق المتهم في الدفاع عن نفسه، وشددت الدائرة القضائية على أنها تطمئن إلى تقدير الدليل الظاهر أمامها كونه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.

وأوضحت المحكمة، في صك الحكم الصادر أن تناول المخدرات أو الاتجار بها أو تهريبها يعد جريمة يُعاقب عليها شرعاً ونظاماً وموجبة لعقوبة القتل تعزيراً، إلا أنه ونظراً لكون التعزير بالقتل جائز وليس بواجب وقد يكون التعزير بغيره أبلغ، ونظراً لعظم أمر الدماء المعصومة وأنه يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها قررت المحكمة رفض طلب المدعي العام قتل المتهم وقررت درء عقوبة القتل تعزيراً واكتفت بسجنه 15 عاماً مع فرض غرامة 100 ألف ريال ومصادرة جواله ومنعه من السفر مدة مماثلة لسجنه طبقاً للعقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.


وأوضحت المحكمة في تسبيب الحكم أن ما فعله الجاني لا شك في خطره وجرمه وفساده وتعدي ضرره وانتهاكه للضرورات الخمس؛ ومنها حفظ العقل ما يستوجب تغليظ العقاب ليتحقق الردع والزجر. وبيّنت المحكمة أنه لا يخفى على ذي لب خطر المخدرات.

وبحسب صك الحكم الذي اطلعت عليه «عكاظ»، تتلخص الوقائع في أن التعاون بين الإدارة العامة للجمارك السعودية والإدارة العامة لمكافحة المخدرات قاد إلى رصد شنطة مشبوهة وصلت من دولة آسيوية عبارة عن لفات من أدوات وبكرات الخياطة محشوة بحبوب محظورة جرى طلبها عبر موقع إلكتروني مع توصية بطلب إيصالها للمتلقي في جدة عبر أحد تطبيقات التوصيل، واطلعت المحكمة على 20 دليلاً وقرينة ضد المتهم ساقها المدعي العام منها الفحوصات المخبرية وتقرير الضبط والتفتيش والاستجواب وإقرار المتهم بالحبوب المضبوطة ومحضر الاستجواب ومحادثات الواتساب بجوال المتهم، واستمعت إلى دفوع المتهم ورده أمام المحكمة ووصفت ردوده بأنها متناقضة وأن إنكاره إنكار مرسل يقصد منه الإفلات من العقوبة والمساءلة.

رفض طلب المدعي العام

قضت الدائرة برفض طلب المدعي العام قتل المتهم وتضمن الحكم إدانته بما نسب إليه من قيامه بجلب 5100 حبة من الحبوب المؤثرة عقلياً والخاضع للرقابة محلياً بقصد الترويج وحيازة (3) منها بقصد التعاطي وتعاطي الحشيش المخدر والحبوب المحظورة وبإدخال مواد ممنوعة إلى المملكة مما يعد تهريباً جمركياً، واستخدامه لهاتف جوال في الجريمة، وهروبه من رجال الأمن وتستره على مصدر الكمية المهرية ومعاقبته عن ذلك بسجنه مدة (15 سـنة) تحتسب من تاريخ إيقافه على ذمة هذه القضية، وإلزامه بدفع غرامة قدرها (100 ألف ريال) تودع في مؤسسة النقد العربي السعودي، ومنعه من السفر مدة (15 سنة) تبدأ بعد خروجه من السجن استناداً للمادة السادسة والخمسين من نظام مكافحة المخدرات مع مصادرة الهاتف المحمول المستخدم في الجريمة وإيداع قيمته لدى البنك المركزي السعودي لحساب المديرية العامة لمكافحة المخدرات.

لماذا توقف الأمن عن متابعة المتهم؟

أشارت التحقيقات التي أجرتها النيابة إلى أن سلطات القبض رصدت الشحنة وموعد تسليمها إلى المتهم واستبدلت الشحنة المعبأة بالمخدرات بشحنة وهمية مماثلة ورصدت حضوره لاستلام الشحنة من مندوب تطبيقات التوصيل، وعندما شعر بمتابعته سار بسرعة جنونية بسيارته ما دفع رجال الأمن التوقف فوراً عن متابعته خشية حدوث ما لا يحمد عقباه من إضراره لعابري الطريق وسيارات المواطنين، لتكثف تحرياتها وتقبض على الشاب في وقت لاحق.

وجاء في منطوق الحكم، أنه بناء على ما تقدم من الدعوى والإجابة وبعد الاطلاع على ملف القضية، ولما أن النيابة العامة أقامت دعواها ضد المتهم لقاء قيامه بجلب (5100) حبة من الحبوب المؤثرة عقلياً والخاضعة للرقابة محلياً بقصد الترويج وحيازة (3) حبات منها بقصد التعاطي والاستعمال وتعاطي الحشيش المخدر والحبوب المحظورة وبإدخال مواد ممنوعة إلى السعودية ما يعد تهريباً جمركياً، واستخدامه لهاتفه الجوال في الجريمة، وهروبه من رجال الأمن وتستره على مصدر الكمية المهربة، إذ جرت المرافعة على نحو ما هو مبين في ضبط الدعوى، وأتيح للمتهم الدفاع عن نفسه أمام القضاء، وبعد أن قرر أطراف الدعوى الاكتفاء، درست المحكمة القضية دراسة وافية، وخلصت إلى أن إنكار المتهم إنكاراً يقصد منه الإفلات من العقوبة والمساءلة بأدلة وقرائن اجتمعت وقوت بعضها البعض في إثبات ما أسند إليه وإقرار المتهم صحة عائدية الإرسالية محل الاتهام أمام القضاء ما يؤكد صحة الأدلة ووصول الإرسالية الممنوعة لمنزله فضلاً على تناقض أقواله.

الفرق بين المروج والمتعاطي

المحامي أحمد الراشد، قال إن نظام مكافحة المخدرات يفرق بين المهرب والمروج والمتعاطي ولكل حالة حكم وفق الوقائع، والمهرب قرر له النظام أشد العقوبات، وهي عقوبة القتل تعزيراً لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها للبلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب بل يمتد إلى الأمة بأكملها فيصيبها بأضرار بالغة وأخطار جسيمة، ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد المخدرات من الخارج، وكذلك الشخص الذي يتلقى المخدرات من الخارج فيوزعها على المروجين.

أما المروج، فإن النظام يفرق بين من يروج المخدرات للمرة الأولى وبين العائد بعد سابقة الحكم عليه بالإدانة في جريمة تهريب أو ترويج. ففي الحالة الأولى تكون العقوبة الحبس أو الجلد أو الغرامة المالية، أو بهذه العقوبات جميعاً حسبما يقتضيه الحال ووفقاً لما تراه المحكمة، وفي حال العودة إلى الترويج تشدد العقوبة، ويمكن أن تصل إلى القتل تعزيراً قطعاً لشر الجاني في حال ثبت تأصل الإجرام في نفسه، وأصبح من المفسدين في الأرض.

وأما المتعاطي فيعاقب بالحبس لمدة سنتين، ويعزر وفق ما تقرره المحكمة ويبعد عن البلاد إذا كان أجنبياً، ولا تقام الدعوى العمومية ضد من يتقدم من تلقاء نفسه للعلاج، بل يودع في مستشفى علاج المدمنين.