البروفيسور كارلوس دوارتي
البروفيسور كارلوس دوارتي




البروفيسور كارلوس دوارتي في إحدى رحلاته للبحث عن حلول لمشكلة المناخ.
البروفيسور كارلوس دوارتي في إحدى رحلاته للبحث عن حلول لمشكلة المناخ.




التشجير يكافح التغير المناخي.
التشجير يكافح التغير المناخي.
التغير المناخي يطال الشعب المرجانية وأعماق البحار والمحيطات.
التغير المناخي يطال الشعب المرجانية وأعماق البحار والمحيطات.
التغير المناخي.. خطر يبحث عن حلول ناجعة.
التغير المناخي.. خطر يبحث عن حلول ناجعة.
-A +A
حظي أبناء جيلَيْ زيتا وألفا بفرصتهم خلال المؤتمر الخامس والعشرين بشأن تغير المناخ (COP25)، الذي انعقد في مدريد في عام 2019. فقد استطاعوا من خلال مظاهراتهم يوم الجمعة، التي بثّت إلى جميع أنحاء العالم، ومطالبتهم بالعمل الجاد، أن يحرّكوا الكثيرين حول العالم. ولكنْ، لا ينبغي أن نحصر شبابنا في الشوارع ليصرخوا ويهتفوا مناشدة للعالمَ أن يسمع أصواتهم. إننا بحاجة إلى تمكينهم من بناء المستقبل الذي يريدون.

خلال زيارتي لإلقاء التحية على بعض الأصدقاء والزملاء في جناح المملكة في مؤتمر COP26، أدهشتني نورة السديري؛ (نورة شابّة سعودية في منتصف العشرينات، حازت في وقت سابق من هذا العام على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة الفيصل، ثم التحقت كمتدرّبةٍ في مختبرِي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، حيث أنجزتْ ورقتين بحثيتين عن حلول المناخ المستندة إلى البحار).


أذهلتني نورة كثيراً من حيث كفاءتها ونضجها وذكائها، وتمنّيت شخصياً لو أنها سلكت مساراً أكاديميا لمستقبلها. لكنّ نورة كانت تعرف جيداً ما تريد: تريد أن تخدم بلدها في مساره للمساهمة في حل أزمة المناخ، مستلهمةً في ذلك شجاعةَ «مبادرة السعودية الخضراء» وجرأتها.

وشاركت نورة في فريق التفاوض السعودي، جنباً إلى جنب مع شابات وشبان سعوديين لامعين. وتفاوضتْ في المؤتمر السادس والعشرين على بعضٍ من أعتى العقبات التي واجهها المؤتمر، وتحديداً «الشفافية والتكيّف». عندما جلت بناظريّ في الغرفة حيث كانت تجري تلك المفاوضات الحاسمة، لاحظت أن قلّةً قليلة من تلك الوفود ضمّت مفاوضين شباباً. في الواقع، لم أشاهد مفاوضين شباباً من الفئة العمرية ذاتها، سوى في وفود الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة والمكسيك ومدغشقر وساموا وسويسرا. أما وفود الدول الغربية، فرأيت فيها فقط مفاوضين من أبناء جيلي يقودون المفاوضات، ومعظمهم ذكور.

جال في خاطري أنني، وهؤلاء المفاوضين الكهول من أبناء جيل طفرة المواليد، ننتمي إلى ذلك الجيل الذي تسبّب بجزء كبير من المشكلة، فنصف انبعاثات الاحتباس الحراري المتراكمة في الجو اليوم، انبعثت بعد مولدي في لشبونة في عام 1960، وأننا كنّا إلى حد كبير عاجزين عن معالجة المشكلة منذ وضعنا اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ أي قبل ما يقرب من 30 عاماً.

جلس الجميع إلى طاولة المفاوضات لعقود، يلعبون الشطرنج. يستولون على القلعة في مؤتمر ويخسرونها في المؤتمر الذي يليه، ثم يستولون على الوزير، ويلتفون على الكلمات من دون إحراز تقدم ملموس في الحدّ من الانبعاثات، ومن دون تحمّل مسؤولياتهم تجاه الدول النامية. فهم (وأنا معهم) جيل الترّهات والشعارات الجوفاء: المهرجون ذاتهم، ولكن في سيرك مختلف.

يتعيّن على مفاوضات المناخ، لكي تكون فعّالة حقاً، أن تتناول العالم الذي ستعيش فيه أجيالنا القادمة. لذا فأنا أرى أنّه من غير الأخلاقي بالنسبة لنا، الذين لا يصل متوسط عمرنا المتوقع في عام 2050، أن نحدّد معالم العالم الذي ستعيش فيه نورة وجيلها وأجيال أولادهم.

كما شاركت خلال المؤتمر السادس والعشرين في ورشة عمل بعنوان «حوار الشباب: من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى العالم»، نظّمها مركز أبحاث آيون كوليكتيف في الجناح السعودي، حيث طالب المشاركون الشباب، وجميعهم من جيل نورة، بالاضطلاع بدور نشط كونهم على قدر من الجهوزيّة والاندفاع للقيام بذلك. فوجئت في الورشة بوجود شابة غربيّة تشارك فيها، وسط العديد من المشاركين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي كاتي مانينغز، النجمة التي تقود سيارة Extreme E، التي عبرت عن وجهات نظر مماثلة وآراء مماثلة، وأرادت أيضاً إيصال صوتها.

حان الوقت لإخراج شبابنا من الشوارع وتمكينهم ودعمهم ليشقّوا طريقهم نحو مستقبلهم الذي يريدون. أنا على يقين من أن أمم العالم جميعاً تحظى بشباب أذكياء لامعين مثل نورة. هؤلاء يجب أن نوكل إليهم دوراً قيادياً في المفاوضات، وأن نحذو في ذلك حذو المملكة العربية السعودية. يجب على جيل الشعارات الجوفاء والترّهات الذي أنتمي إليه أن يتنحى جانباً، وأن يعمل على دعمهم في التحضير لذلك، وتقديم المشورة لهم، وتنبيههم بالمخاطر المحدقة والفرص المتاحة.

يجب أن نساعدهم على فهم التعقيدات والتغلب عليها، سيّما أن الحافز الرئيس والوحيد لديهم هو ضمان نتيجة إيجابية تقاعسنا سنوات عن تحقيقها. ليس أنا أو بنو جيلي، بل الشباب وعائلاتهم هم المستفيدون الرئيسيون من عالم يستقر فيه المناخ ضمن هوامش آمنة. ويا لها من مكافأة عظيمة ستمنحهم التعاطف والدعم لإنجاز المهمة.

من المقرر أن تنعقد الدورة السابعة والعشرون من مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين بشأن تغير المناخ (COP27) في مصر؛ إحدى دول العالم المعروفة بتركيبة سكانها الشابّة. دعونا نضع بين أيديهم مفاوضات المناخ، ونقدّم لهم الدعم كي ينجحوا.

مع انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP26)، برزت الحلول المستندة إلى الطبيعة كواحدة من أنجح العلاجات وأكثرها رواجاً لخفض حرارة كوكبنا المحموم، الأمر الذي تجلّى من خلال العديد من الإعلانات عن الاستثمار في الكربون الأزرق ومشاريع التشجير وغرس الغابات الجديدة. وهي مشاريع تتطلب في مجموعها التزاماً باستمرار عزل الكربون (أو حفظه)، بأفق زمنيّ مدته 100 عام، بحيث يُستبعد إطلاقه مجدداً إلى الغلاف الجوي خلال نطاقات زمنية مناسبة مناخياً.

هذا مقترحٌ مثير للاهتمام، كونه يربط ثلاثة أجيال بشرية بمشاريعَ تقدّم حلولاً تستند إلى الطبيعة لمشكلة المناخ. فالتغير المناخي يمثل شرخاً في العقد الضمني المُبرم بين الأجيال، الذي يسعى من خلاله الآباء إلى توفير عالم أفضل لأبنائهم. فأبناؤنا الّذين أبصروا النور أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، أي أبناء جيليْ زيتا وألفا، هم من سيشهد ويعاني من عواقب العيش في كوكبٍ أكثر حرارة بدرجتين، أو ربما وفق السيناريو الأسوأ بثلاث درجات؛ وليس أنا الذي جئت في ستينات القرن الماضي مع جيل طفرة المواليد.

وكبشر ونحن نوعٌ آخر من الكائنات المسببة لمشكلة التغير المناخي. لذا تعد مسؤوليتنا إيجاد الحل وإعادة بناء كوكب سليم، وعلينا العثور على حلٍّ يستند إلى الطبيعة.

البروفيسور كارلوس دوارتي - استاذ متميز - علوم البحار

استاذ كرسي طارق أحمد الجفالي لعلوم أحياء البحر الأحمر

قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية

عضوية مركز الأبحاث: مركز أبحاث البحر الأحمر

‏carlos.duarte@kaust.edu.sa