الزميل محمد سعود خلال حواره مع السفير الفرنسي. (تصوير: فيصل اليوسف)
الزميل محمد سعود خلال حواره مع السفير الفرنسي. (تصوير: فيصل اليوسف)




السفير الفرنسي لدى السعودية لودوفيك بوي.
السفير الفرنسي لدى السعودية لودوفيك بوي.
-A +A
حوار: محمد سعود mohamdsaud@
شدد السفير الفرنسي لدى السعودية لودوفيك بوي على أن بلاده تدين بأشد العبارات كل اعتداءات الحوثيين التي تستهدف المدنيين في المملكة، مشيراً إلى أن موقف فرنسا شديد الوضوح، وذكّر به مجددًا الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة السيد نيكولا دو ريفيير أمام المشهد الدولي في مجلس الأمن في نيويورك في سبتمبر الماضي. وقال لودوفيك بوي، في حوار مع «عكاظ»، إن العلاقات التي تربط بين فرنسا والمملكة العربية السعودية عديدة وغنيّة وعريقة ومبنية على الثقة، والتاريخ الطويل الذي يشهد على التبادلات والحوارات بين البلدين، ويعود ذلك إلى القرن التاسع عشر، وحتى الآن. وأضاف: مضمون رؤية 2030 وتطبيقه طموحٌ ومبهر. لا شك أن مشروع الإصلاحات هذا جاء في اللحظة الحاسمة، ليحمل معه حلولًا طويلة الأمد في وجه التحديات التي سوف تواجهها أجيال المملكة المقبلة، ومشاريع التطور العديدة هي أكبر برهان على الجهود العظيمة التي تُبذل في سبيل إبراز القدرات التي تتمتّع بها المملكة والاستفادة منها، وحتى خلال الأوقات العصيبة التي فرضتها الجائحة، واصلت رؤية 2030 المسيرة ونهضت بالبلاد نحو مستقبل أفضل. وهذا يظهر بوضوح على الصعيد الوطني وعلى مستوى المواطن الذي يمكنه دائمًا الاعتماد على اقتصاد مزدهر.

• بماذا تصف العلاقات السعودية الفرنسية؟


•• العلاقات التي تربط بين فرنسا والمملكة عديدة وغنيّة وعريقة ومبنية على الثقة، والتاريخ الطويل الذي يشهد على تبادلاتنا وعلى حواراتنا يعود إلى القرن التاسع عشر، حيث فتحت أول قنصلية فرنسية أبوابها سنة 1839، في حيّ البلد في مدينة جدّة القديمة. أما بالنسبة لاتصالاتنا المنتظمة، فلقد أنشأنا شراكات على جميع الأصعدة، للتوافق على قراءة المشهد الدولي ومصالحنا المشتركة العديدة. وبعيدًا عن الإطار الرسمي والسياسي، فإن العلاقة الفرنسية السعودية هي بمثابة تحالف حقيقي بين شعبين وبلدين صديقين. فقد اعترفت باريس بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ملكًا على الحجاز عام 1926؛ وقبل سنة من توحيد المملكة تمّ التوقيع على معاهدة تفاهم وصداقة في عام 1931.

واتخذت العلاقة دافعًا جديدًا خلال السنوات الأخيرة، لا سيّما مع إبرام شراكة إستراتيجية بين بلدينا، خلال زيارة ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان إلى باريس في أبريل 2018. نشعر بهذه الطاقة من خلال شراكاتنا التي تُحيي التعاون الفرنسي السعودي الممتاز الّذي لا حدود له.

التقنيات الجديدة • ماذا عن العلاقات التجارية والاستثمارية؟

•• تتميّز علاقتنا الاقتصادية والتجارية بغنى خاص، وهي تقوم على الثقة التي تربط بيننا، وعلى مصالحنا المشتركة وعلى إرادتنا القويّة لتعزيز تبادلاتنا. وعبّرت قياداتنا بكلّ وضوح عن هذه العلاقة: فقد تمّ تعيين وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح والوزير المكلّف بشؤون التجارة والاستقطاب السيد فرانك ريستر لمتابعة الشراكة الاقتصادية الثنائية وتعزيزها.

وبفضل هذه الإرادة، وعلى الرّغم من تأثير الجائحة على التجارة، فقد كانت السعودية شريكنا الاقتصادي في 2020 في المنطقة، وستستمر هذه التبادلات بالازدهار خلال السنوات المقبلة. هذا ما يعمل عليه وزيرانا خلال زيارة الوزير المكلّف ریستر إلى الرياض في أبريل ووزير الاستثمار السعودي إلى باريس في سبتمبر. فخلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية، كان في استقبال الوزير الفالح عدد كبير من ممثلي النسيج الاقتصادي الفرنسي، وتمكنوا معًا من دراسة الكثير من العروض الفرنسية لا سيّما في قطاعات الطاقة والصحّة وصناعة الطائرات والتقنيات الجديدة.

اعتداءات الحوثيين

• ما موقف حكومة فرنسا من اعتداءات الحوثيين على المدنيين في المملكة؟

•• تدين فرنسا بأشد العبارات كل اعتداءات الحوثيين التي تستهدف المدنيين: إن موقف فرنسا شديد الوضوح وقد ذكّر به مجددًا الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة السيد نيكولا دو ريفيير أمام المشهد الدولي في مجلس الأمن في نيويورك في 10 سبتمبر الماضي، كما أدانت فرنسا الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت مطارَي أبها وجازان في 7 و8 أكتوبر، والهجمات الجديدة خلال الأيام الماضية التي استهدفت جنوب المملكة العربية السعودية، التي تعتبر انتهاكًا للقانون الدّولي.

أما بالنسبة لمسألة اليمن عمومًا، فقد أكّد وزير أوروبا والشؤون الخارجية السيّد جان إيف لودريان على موقف فرنسا أمام نظيره الأمير فيصل بن فرحان، خلال زيارته إلى المملكة في 3 أكتوبر الماضي.

وكما ذكّر تمثيلنا الدائم لدى الأمم المتحدة خلال إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد هانز غروندبورغ أمام مجلس الأمن في 14 أكتوبر، أن فرنسا تدعو الحوثيين إلى العدول عن الحلّ العسكري، وتدعم تطبيق اتفاق الرياض ووقف إطلاق النار في كافة أرجاء اليمن. وحده الحلّ السياسي الشامل يمكن أن يضع حدًا لهذا النّزاع.

إصلاحات طموحة

• كيف وجدت المجتمع السعودي عند قدومك للعمل سفيراً في الرياض؟•• كنت على اطلاع بكل ما تشهده المملكة من تغييرات، حتى قبل أن أستلم مهامي في الرياض، بالإضافة إلى الإصلاحات الطموحة التي تهدف إلى مواجهة التحديات الهيكلية مع إبراز موارد المملكة العظيمة والقيّمة. ومع ذلك، لا بدّ لي من أن أعترف أننا تفاجأنا أنا وعائلتي بما رأيناه.

إن الحيويّة الموجودة في كلّ جزء من المجتمع السعودي، لا سيّما بين الشباب السعوديين والسعوديات الذين يعملون بجدّ من أجل مملكة الغد، لا يمكن أن نقدرها بحق إلا إذا اختبرناها بأنفسنا، وفي النهاية، أنا سعيد جدًا بالتحدّث عن هذه الخبرة الممتعة التي أعيشها هنا، أينما ذهبت، وعن اهتمام السعوديين وحبّهم لفرنسا، وحتى لو لم يكونوا ناطقين باللغة الفرنسية، فهم دائمًا يحاولون إلقاء التحية عليّ بالفرنسية. لقد اختبرت بالفعل الصداقة الحقيقية التي تربطنا.• الثقافات السعودية، ما الذي لفت انتباهك فيها؟ وبماذا تختلف عن غيرها؟

•• سعدت كثيرًا خلال هذه السنة بزيارة العديد من المحافظات في المملكة، وانبهرت بغنى الإرث الموجود فيها، من الدّرعية إلى الدّمام، من جدّة إلى أبها، ومن الطائف إلى العلا، لذلك أنا أدعو جميع الفرنسيين إلى زيارة المملكة، الآن وقد فتحت الحدود من جديد، واكتشاف كنوز المملكة بأنفسهم. إن هذا التراث الحضاري وأصداءه التي نجدها في أرجاء المنطقة بأكملها شاهدٌ حيّ على ذلك.

أنا سعيد جدا برؤية التعاون الفرنسي السعودي يبذل قصارى جهده في قطاع الآثار، الذي نحتفل هذه السنة بعيده العشرين. إن المواقع الأسطورية والغنيّة في الحجر وإثراء وخيبر ودادان والبدع ليست سوى أمثلة عن المواقع التي اكتشفها السعوديون والفرنسيون.

لكل منطقة مميّزاتها المحليّة الخاصة تحمل مفاجآت رائعة لزوّارها. من فنون وأزياء وهندسة وفن التذوّق وحتى اللهجات المختلفة، كلّها تضيف رونقًا إلى الغنى والتنوّع الذي تتمتع به المناطق السعودية والشعب السعودي. لم أستمع إلى الأناشيد نفسها في رجال ألمع وفي قصر المصمك، حيث سعدت كثيرًا بتعلّم العرضة النجدية خلال أمسية الاحتفال باليوم الوطني الواحد والتسعين. ومع كلّ هذا التنوع، فإن حرارة الاستقبال وحسن الضيافة ورسالة الأخوّة التي يحملها جميع السعوديين، ثابتٌ لا يتغيّر أينما كنّا في المملكة العربية السعودية.شراكة إستراتيجية

• ما رأيك في رؤية المملكة 2030 والمشاريع الجديدة؟

•• إن مضمون رؤية 2030 وتطبيقه طموحٌ ومبهر، ولا شكّ أن مشروع الإصلاحات جاء في اللحظة الحاسمة، ليحمل معه حلولًا طويلة الأمد في وجه التحديات التي سوف تواجهها أجيال المملكة المقبلة، كانخفاض احتياطي النفط على سبيل المثال.

إن مشاريع التطوّر العديدة هي أكبر برهان على الجهود العظيمة التي تُبذل في سبيل إبراز القدرات التي تتمتّع بها المملكة والاستفادة منها. وحتى خلال الأوقات العصيبة التي فرضتها الجائحة، واصلت رؤية 2030 المسيرة ونهضت بالبلاد نحو مستقبل أفضل. وهذا يظهر بوضوح على الصعيد الوطني وعلى مستوى المواطن الذي يمكنه دائمًا الاعتماد على اقتصاد مزدهر.

إن فرنسا فخورة بمواكبة المملكة في هذه الرحلة، في إطار شراكتنا الإستراتيجية الشاملة، بفضل استثمارات شركاتها، وتطبيق التعاونات الحكومية والتبادلات السياحية وبرامج الابتعاث والفنون.7000 فرنسي

• كم عدد الفرنسيين في المملكة؟ وما مجالات عملهم؟

•• يوجد حوالى 7000 فرنسي في المملكة يستمتعون بالعيش فيها ويعملون في العديد من المجالات المختلفة، ومعظمهم يعمل في شركات تساهم في تنفيذ مشاريع مختلفة من رؤية 2030.

إن تبادل المهارات والدّراية سيستمرّ في الازدهار وسوف تُخلق فرص عمل كبيرة بفضل مشاريع الرؤية في قطاعات الاقتصاد والثقافة التي سوف تجذب العديد من الفرنسيين.

المعالم السياحية السعودية

• ما أبرز المعالم السياحية التي زرتها في السعودية؟ وبماذا تصفها؟•• تمكّنت من زيارة العديد من المعالم السياحية منذ وصولي إلى المملكة العربية السعودية، حيث تضمّ المملكة كنوزًا أثرية لا تقدّر بثمن، وأنا سعيد جدًا أن فرنسا تشارك تمامًا في إبرازها إلى جانب شركاء سعوديين، لا سيّما في العلا، جوهرة الإنسانية. استمتعت كثيرًا في زيارتي إلى الطائف خلال مهرجان الورد الطائفي، وإلى أبها حيث اكتشفت القطّ العسيري، وإلى القصيم لتذوّق نكهات التّمور الرائعة، وحتى إلى الصحراء التي تحيط بالرياض لإعادة اكتشاف بساطة التواصل مع الطبيعة. سوف يشكّل تنوّع هذه المواقع وغناها التاريخي عنصرًا أساسيًا لجذب العديد من السوّاح الذين سوف يكون من بينهم من دون أي شكّ كثير من الفرنسيين.

الوضع الصحي في السعودية

• كيف ترى التدابير الصحيّة في المملكة أثناء جائحة كورونا؟

•• لقد برهنت التدابير الصحيّة التي اتخذتها السلطات المعنية في المملكة على أنها طموحة وفعالة في الوقت عينه، والسيطرة على الوضع الصحّي هو دليل قاطع على ذلك. لقد تطوّرت حملة التطعيم بوتيرة سريعة حيث تلقّى حوالى 66% من السكّان اللقاح. وسعدت كثيرًا لدى سماعي أن السعوديين والمقيمين في المملكة سيبلغون المناعة الجماعية وأن العودة إلى الحياة الطبيعية تلوح في الأفق، فلولا يقظة السلطات المعنية والتدابير التي اتخذتها وزارتَا الصحّة والداخلية، لما كان كلّ ذلك ممكنًا.

• ما انطباعكم عن الطلاب المبتعثين في فرنسا ومشاركة عدد منهم في الطواقم الطبية أثناء جائحة كورونا؟

•• عرف التعاون الفرنسي السعودي في قطاع التعليم العديد من النجاحات الاستثنائية، وهو يندرج ضمن دينامية طويلة الأمد، فالتبادلات الأكاديمية وبرامج دورات التدريب في قطاع الطبّ خير مثال على ذلك. حيث يشارك حوالى 70 طالبا سعوديا في برنامج Gulf Doctors ويساهمون في دعم جهود المستشفيات الفرنسية. لقد برزت فعاليتهم ومهاراتهم بصورة خاصة خلال الجائحة، غير أنها كانت واضحة منذ فترة طويلة أمام المسؤولين عن القطاع الصحّي في فرنسا.