سامي سرحان
سامي سرحان
-A +A
بقلم: سامي سرحان* @sisarhan
تُعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تعمل بين دعم التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل، جزءاً حيوياً من الاقتصاد العالمي والإقليمي للمملكة العربية السعودية. ولدعم هؤلاء المساهمين المهمين على نحوٍ أفضل، أجرت مؤخراً جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) -وهي مؤسسة بحثية وعلمية رائدة في المملكة العربية السعودية- أول استبيان في المملكة للتركيز على الأبحاث والتطوير في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمشاركة مع المؤسسات البحثية. يقدم هذا الاستبيان رؤىً من شأنها مساعدة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في دعم نمو مساهمات المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ليتمكن من بلوغ حد 35% بحلول عام 2030؛ وهو هدف جوهري ضمن الإطار الإستراتيجي لرؤية 2030.

مصدر جديد للابتكار


تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة أكثر من 99% من القطاع الخاص، ومع ذلك فهي تساهم حالياً بنحو 20% فقط من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بينما في الاقتصادات الناشئة؛ تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة تصل إلى 45% من إجمالي العمالة و33% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومن بين 15% من الاقتصادات العالمية الرائدة، تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمتوسط 46%.

إن تعاون المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجامعات البحثية بمثابة شراكة مثالية بفضل اهتمامهم المشترك بالابتكار والنمو والبحث والتطوير. ولتحقيق هذه الغاية، أنشأ قسم الابتكار والتنمية الاقتصادية في «كاوست» قسم خدمات الابتكار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمساعدة تلك المنشآت على الاستفادة من موارد الجامعة وقدراتها استفادة تامة.

ويهدف القسم إلى جذب المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة وتوظيفها والتعاون معها بشكلٍ مباشر، وإقامة شراكات بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجامعة وقسم الابتكار والتنمية الاقتصادية وشركاء مجمع أبحاث جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والشركات الناشئة في الجامعة. تحصل المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الدعم وإمكانية استعمال مختبرات الجامعة ومرافقها، فضلاً عن البرامج وورش العمل والتدريب والمنتديات والفعاليات الخاصة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة. وفي سياق هذه المبادرة، تتعاون «كاوست» مع كلٍ من المنظمات الحكومية وغير الحكومية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودعم مشاركتها في تحديد التمويل اللازم لتحقيق أفكارها الواعدة ومبادراتها البحثية.

لاستيعاب أنواع البرامج والمبادرات الأنسب لتحسين الشراكة بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجامعة، أجرت مؤخراً خدمات الابتكار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، استبياناً ضمن أكثر من 500 شركة صغيرة ومتوسطة في المملكة، مستفسرة عن السبل التي يمكننا من خلالها دعم هذا القطاع بشكلٍ أفضل. وينتمي المشاركون في الاستبيان إلى أكثر من 25 قطاعا، على رأسها التصنيع والبناء والمعلومات والاتصالات.

وصرح كيفن كولين، نائب الرئيس للابتكار والتنمية الاقتصادية في «كاوست» قائلاً: «المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي محرك اقتصاد الأمة ومن أهم مصادر الدخل وعوامل خلق فرص العمل، وبصفتنا جامعة ذات رسالة طموحة في صميمها دعم التنمية الاقتصادية في المملكة، فإننا عازمون على جعل تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة أحد المجالات الرئيسية التي سنركز عليها في السنوات القادمة عبر تسخير منظومة الابتكار المتقدمة في الجامعة لتحقيق هذه الغاية».

شبكة قوية

وفقاً للهيئة العامة للإحصاء، تعمل حالياً أكثر من 500.000 شركة صغيرة ومتوسطة في المملكة العربية السعودية. لم يكن من الهين الوصول إلى عدد ذي دلالة إحصائية من تلك المنشآت. وتعرب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عن امتنانها بشكلٍ خاص للمساعدة التي تلقيناها من المؤسسات التالية:

• غرفة تجارة جدة

• غرفة تجارة الرياض

• غرفة تجارة الدمام

• وزارة الاستثمار السعودية

• الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)

• المنتدى الصناعي

• الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)

• الهيئة الملكية للجبيل وينبع

• مجلس الغرف السعودية

وفي هذا الصدد، أوضح أحمد الهليل، مدير الصحة والبيئة في «مدن» قائلاً: «يسعدنا في مدن أن نساهم بفعالية -عبر استكشاف نتائج استبيان جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية- في الوقوف على التحديات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة محلياً وطرق دعم القطاع من خلال البرامج المبتكرة، تلعب مدن دورا جوهريا في دعم القطاع الصناعي وذلك بتوفير منتجات على غرار مصانع جاهزة للاستغلال والخدمات اللوجستية. وأعتقد أن خدمات الابتكار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ستدعم الصناعات في المجالات التي لا تزال بحاجة إلى مزيدٍ من التطوير».

كما تواصل فريق الاستبيان مع المنظمات التي تعمل مباشرة مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، من بينها سابك. وفي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، عمل الفريق مع قسم المشتريات وقسم شؤون المستأجرين في مجمع البحوث ومركز ريادة الأعمال. ومن ثم أعلنّا عن الاستبيان عبر موقع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الإلكتروني والبريد الإلكتروني وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي.

وإضافة إلى ذلك، يُستخلصُ من الاستبيان 5 فوائد رئيسية:

• أدركنا بأن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تفكر في البحث والتطوير بشكلٍ مختلف عما تفكر فيه الجامعات عادةً، فبالنسبة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، يدور البحث والتطوير حول التطوير العملي على حساب التقدم العلمي.

• تنظر العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الابتكار على أنه مسعىً مكلف محتمل، وليس كفرصة لاكتساب أسواق وعملاء جدد.

• ترغب المنشآت الصغيرة والمتوسطة في استعمال التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية والطائرات بدون طيار ولكنها تفتقر إلى الخبرة للقيام بذلك بشكلٍ سلس.

• لا تحمي العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي أجرينا فيها الاستبيان حقوق ملكيتها الفكرية كما ينبغي. فعلى سبيل المثال، أفاد أكثر من 90% من المشاركين بأن ليس لديهم براءات اختراع منتظرة أو سارية على منتجاتهم الفريدة.

ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين في الاستبيان لا يعملون مع الجامعات لمواجهة تحدياتهم المهنية -لكنهم يريدون القيام بذلك، لاسيّما في مجالات المعدات العلمية والمخبرية والذكاء الاصطناعي والتدريب على تطوير الأعمال.

نموذج الشراكات مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة

لتطوير برامج خاصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على نحوٍ أفضل، طورت الجامعة نموذج جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لمشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة. من خلال التركيز على الفرص والفجوات طويلة الأجل المحددة والنتائج والتأثيرات المتوقعة، سيمكِّن النموذج جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية من تحسين خدمات دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

يقول سليمان الثنيان، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: «يتمثل دور الجامعة الفعال في إلهام وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المملكة من خلال الشراكات والبرامج والمبادرات المختلفة التي تعزز الابتكار من أجل النهوض بهذه الشركات وتطويرها، وتتميز الجامعة دولياً بقدرتها على مساعدة المبتكرين على الدخول إلى أسواق جديدة».

نهج جديد للبحث والتطوير

بناءً على توصيات الاستبيان، تقوم خدمات الابتكار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ببرمجة سلسلة من الأنشطة المستهدفة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة.

التطوير المهني «بناء القدرات»

جرى إطلاق هذه السلسلة من ورش العمل التدريبية في أغسطس 2020، وهي مُعدة لمساعدة موظفي المنشآت الصغيرة والمتوسطة على تطوير مهارات جديدة، بناءً على الاحتياجات المُشار إليها في استبيان المنشآت الصغيرة والمتوسطة. تشمل هذه المهارات التعامل مع التقنيات الناشئة وتطوير المنتجات والتدريب المتخصص على المعدات المتطورة. يمكن لموظفي المنشآت الصغيرة والمتوسطة حضور الدورات التدريبية شخصياً أو من خلال منصة افتراضية، اعتماداً على نوع التدريب ومتطلبات التدريب العملي. بدأت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية سلسلة من ورش العمل: سلسلة رقمنة وسلسلة QLAB. وعرفت كلتا الطريقتين نجاحا كبيرا حيث جذبتا نحو 4 أضعاف العدد المتوقع من المشاركين.

نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة

لمساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في تبني نظام إيكولوجي للابتكار، يساعد هذا البرنامج الذي يمتد لستة أشهر المنشآت الصغيرة والمتوسطة على تطوير منتج جوهري يؤمن اكتساب عملاء على استعداد لشراء هذا المنتج. يركز البرنامج على مسارين: الرقمنة (البرمجيات) والنمذجة (الأجهزة). لا تقتصر النتيجة المحتملة للبرنامج على منتج جديد، بل تشمل كذلك قاعدة العملاء الجدد المحتملين بالإضافة إلى توسيع نطاق المنشآت الصغيرة والمتوسطة (على سبيل المثال، من متناهية الصغر إلى صغيرة، ومن صغيرة إلى متوسطة). من خلال شراكة البرنامج مع مختبرات جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية المركزية، ستتاح للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فرصة تطوير المنتجات باستخدام مختبرات النماذج المركزية.

يقول عبدالمجيد العمراني، مدير إدارة الابتكار في منشآت: «الابتكار ينمو بشكلٍ متسارع ومستدام من خلال منظومة، وهذا ما يعكسه التقرير المميز من رغبة القطاع الخاص بتبني الابتكار في منتجاتهم لتعزيز النمو في أعمالهم من خلال رغبة بالتعاون مع جامعة ريادية مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية».

الاستفادة من برنامج تنمية المواهب

تعمل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أيضاً على تطوير منصة لتعزيز استفادة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من برنامج تنمية المواهب من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في محاولة لمواجهة التحديات التقنية. وتسجل المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحدياً، يمكن لبرنامج تنمية المواهب من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بعد ذلك الاطلاع عليه وتقييمه والإجابة عنه. كما تمكّن المنصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من التسجيل للاستفادة من فرص التدريب لاحتضان طلاب الدراسات العليا والدكتوراه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر. هدفنا للبرنامج: شراكات بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والجامعة يستفيد منها كلا الشريكين، مثل مشروع بحثي أو تسويق تكنولوجي.

ومن خلال هذه الأنواع الثلاثة من البرامج، ستساعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية المنشآت الصغيرة والمتوسطة على تعزيز استفادتها من برنامج تنمية المواهب والابتكار وقدرتها على تقديم منتجات جديدة إلى السوق.

* رئيس خدمات الابتكار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية

‏sami.sarhan@kaust.edu.sa