في ظل التحوّل الصحي غير المسبوق الذي تشهده المملكة ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، برزت الشراكة بين «الصحة القابضة» ومنظومة «ماس جنرال بريغام» باعتبارها أحد النماذج العالمية المتقدمة في بناء أنظمة صحية أكثر ترابطاً وكفاءة. ولأن هذا التحوّل يعتمد على تصميم منظومات رعاية متكاملة، تقودها خبرات عالمية وتدار بقيادة سعودية، كان للدكتور لويس لوبون، نائب الرئيس للاستشارات في «ماس جنرال بريغام إنترناشيونال»، دور في نقل الممارسات الرائدة وتكييفها مع احتياجات النظام الصحي السعودي.
في هذا الحوار، يسلّط الدكتور لوبون الضوء على الرؤية المشتركة التي تجمع الجانبين، وكيف انتقلت الشراكة من التخطيط إلى تحقيق أثر ملموس على أرض الواقع، وصولاً إلى ما يمكن أن تمثّله المملكة كنموذج عالمي جديد للرعاية الصحية الاستباقية.
• ما هي الرؤية المشتركة التي توجه شراكة «الصحة القابضة» مع «ماس جنرال بريغام»؟
•• تُعدّ «ماس جنرال بريغام» منظومة صحية أكاديمية متكاملة مقرّها بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتمتع بإرث يمتد لأكثر من قرنين في تقديم الرعاية والأبحاث والتعليم، وبخبرة واسعة في تحويل الابتكار الطبي إلى تحسينات يمكن تطبيقها على مستوى الأنظمة الصحية. وتمثل شراكتنا مع «الصحة القابضة» نموذجاً على كيفية توظيف هذا الإرث لدعم تحوّل وطني واسع النطاق للرعاية. وتستند الرؤية المشتركة بين «ماس جنرال بريغام» و«الصحة القابضة» إلى بناء منظومة صحية موحّدة تعتمد على نموذج «منظومة الرعاية المسؤولة» ACO، بما يضمن توفير رعاية صحية عالية الجودة ومبتكرة للسكان في السعودية وبوسطن. ونلتزم بترسيخ ثلاثة محاور رئيسية، وهي: إتاحة رعاية يسهل الوصول إليها وتكون شاملة للجميع، وجودة رعاية منسجمة في مختلف المواقع، ومساءلة تنظيمية واضحة. وقد أثبت هذا النهج نجاحه في تحول منظومتنا الصحية في ماساتشوستس عبر دمج الطب الأكاديمي بالمستشفيات المجتمعية لتعزيز صحة السكان، وتقديم رعاية منسقة وقائمة على القيمة.
ومن خلال هذه الشراكة، نُحوّل الرؤية المشتركة إلى تطبيق فعلي. إذ توظّف «ماس جنرال بريغام» خبرتها في بناء الأنظمة المتكاملة عبر نقل أفضل الممارسات ونماذج التدريب لتعزيز تقديم الرعاية، بينما توفر «الصحة القابضة» متطلبات القيادة والتنفيذ لتقديم رعاية موحدة عالية الجودة لسكان المملكة، ودعم «منظومة الرعاية المسؤولة» على مستوى المجمّعات الصحية. ويعتبر المريض محور الرحلة العلاجية، إذ يتم تقديم خدمات الرعاية بسلاسة وانسجام على المستوى الوطني.
• كيف انتقلت شراكة «الصحة القابضة» مع «ماس جنرال بريغام» من مرحلة التخطيط إلى تحقيق أثر ملموس؟
•• أثبتت هذه الشراكة ما يمكن تحقيقه عند الانتقال من التصميم الإستراتيجي إلى التنفيذ الفعلي. ففي محافظة العلا، عملت فرق «ماس جنرال بريغام» مع «الصحة القابضة» بشكل مباشر لتعزيز خدمات طب الطوارئ، بدءاً من العمليات السريرية إلى تدريب القوى العاملة والحوكمة. وشارك 24 خبيراً من «ماس جنرال بريغام»، بينهم 22 طبيباً واثنان من قيادات التمريض، جنباً إلى جنب مع فرق «الصحة القابضة» لتحسين العمليات وتدريب الكوادر المحلية وتعزيز الحوكمة السريرية.
ونتيجة لهذا التعاون، حصل قسم الطوارئ في مستشفى الأمير عبدالمحسن على أول اعتماد وطني له، ليصبح نموذجاً في كفاءة تدفق المرضى وسلامة الرعاية. وما يجعل هذا الإنجاز مهماً ليس النتيجة فقط، بل الطريقة: فقد قامت الفرق السعودية والأمريكية بتصميم جميع الخطوات معاً، من خلال الجمع بين أفضل الممارسات العالمية والمعرفة المحلية، لتأسيس نموذج مستدام وموثوق لتقديم الرعاية العاجلة. وتمثل هذه التجربة، وقابليتها للتوسّع، الأساس الذي نعمل على تعميمه الآن على مستوى المملكة ضمن نموذج الرعاية السعودي.
• باعتباركم شريكاً عالمياً، كيف تدعمون عملية التحوّل في المملكة بقيادة سعودية؟
•• نحن ملتزمون بمبدأ «نُصمّم معاً، لا بالنيابة عن الآخرين». فالممارسات العالمية الرائدة يمكن نقلها، لكن الموثوقية لا تُبنى إلا محلياً. ويستند نهجنا إلى تصميم مسارات الرعاية بالشراكة مع قيادات «الصحة القابضة»، ومواءمة الأساليب القائمة على الأدلة مع أولويات المملكة، وترسيخ ملكية كاملة على مستوى المجمّعات الصحية التي ستتولى إدارة هذه المسارات. وبهذه الطريقة تتحول الخبرة الدولية إلى ميزة محلية، ويتمّ بناء نموذج يمكن تكييفه عبر مختلف السياقات العالمية.
• ما هو شكل نقل المعرفة الفعّال في هذه الشراكة؟
•• نحن في «ماس جنرال بريغام» نعتبر بناء القدرات أحد أقوى وأعمق أشكال الشراكة. فهو يشمل تطوير قيادات قادرة على إدارة خدمات معقّدة، وتمكين فرق تتعلم من خلال الممارسة الفعلية، وترسيخ معايير موحّدة مفهومة وشاملة، من مجلس الإدارة وحتى سرير المريض. ونركّز على ثلاثة عناصر محورية: تطوير القيادات والقوى العاملة، الحوكمة، والمراجعة المنهجية للأداء. ومن خلال تزويد القادة المحليين بالأدوات اللازمة لإدارة منظومات صحية معقّدة بشكل مستقل، نعمل معاً على تعزيز جودة الرعاية وإحداث أثر مستدام عبر المنظومة الصحية.
• ما هي بنظركم محدّدات النجاح بحلول عام 2030؟
•• يتمثل النجاح في بناء منظومة تتعلم باستمرار وتراقب النتائج، وتعيد التوجيه عند الحاجة، وتواصل الابتكار، أي رعاية أولية أكثر قدرة على تعزيز الوقاية، وخدمات طوارئ أكثر سرعة وموثوقية، ورعاية أمومة وطفولة تمنح العائلات بداية صحية للحياة. وتقدّم «ماس جنرال بريغام» خبرتها المتراكمة على مدى قرنين بروح البحث والتكامل، بينما توفر «الصحة القابضة» قدرة التنفيذ والاستمرارية على المستوى الوطني. ومن خلال هذه الشراكة، يمكننا رفع مستوى جودة الرعاية في جميع المجمّعات الصحية وإضافة سنوات صحية لحياة السكان في المملكة.
• ما هو دور الابتكار في رؤية الشراكة نحو تحوّل قطاع الصحة في المملكة؟
•• ننظر إلى الابتكار بوصفه عملية تعيد تصوّر كيفية تعلّم الأنظمة الصحية وتكيّفها. فالابتكار لا يرتبط بالتكنولوجيا لذاتها، بل بتهيئة بيئة تمكّن من اتخاذ قرارات رعاية أكثر ذكاءً يومياً. وتنسجم خبرة «ماس جنرال بريغام» في الأبحاث الرائدة والتكامل الرقمي مع طموح «الصحة القابضة» الهادف إلى بناء منظومة صحية أكثر مرونة ومسؤولية. ونعمل معاً على تطوير نموذج يسمح بتحويل كل معلومة إلى إجراء قابل للتنفيذ على مستوى واسع، وهو نهج يعكس المفاهيم التي تقود الابتكار في مستشفياتنا يومياً، عبر دمج البيانات والمعرفة السريرية والأبحاث بهدف التحسين المستمر لنتائج المرضى.
• ماذا يعني هذا التعاون بالنسبة لمستقبل الشراكات الصحية العالمية؟
•• يمثل المستقبل عصر التصميم المشترك. فالشراكة بين «ماس جنرال بريغام» و«الصحة القابضة» تجسيد حي للقدرة على تطوير الأنظمة الصحية من خلال التعاون، لا عبر حلول جاهزة. وهي تُظهر ما يمكن تحقيقه عندما تمتلك الدولة رؤية لإعادة تصميم قطاعها الصحي من الأساس، وتُدعم تلك الرؤية بخبرة عالمية قادرة على تحويل الإستراتيجيات إلى نتائج ملموسة.
وما نشهده اليوم في المملكة هو نموذج يمكن للدول الأخرى دراسته وتكييفه وتطبيقه، عبر نموذج يدمج الوقاية والمساءلة والجودة على نطاق وطني. ومع مرور الوقت، يمكن تصنيف نموذج الرعاية السعودي إلى جانب أبرز النماذج الصحية العالمية، موجّهاً الدول الساعية للانتقال من الرعاية التفاعلية إلى الرعاية الاستباقية. وتمثل شراكتنا مثالاً عملياً على كيفية تحقيق ذلك.
وبالنسبة لدينا في «ماس جنرال بريغام»، تعبّر هذه الشراكة عن رسالتنا الهادفة لمشاركة ما اكتسبناه من خبرة طويلة كمنظومة صحية أكاديمية متكاملة، والمساهمة في الجهود العالمية التي تهدف إلى جعل الرعاية الصحية أكثر استباقية ومساواة وترابطاً.