الفيلم الألماني «أنا رجلك» للمخرجة ماريا شرايدر.
الفيلم الألماني «أنا رجلك» للمخرجة ماريا شرايدر.
-A +A
علا الشيخ (دبي) OlaAlsheikh@

ضمن الجولة الأولى في مشاهدة أفلام المسابقة الرسمية التي تتنافس على «الدب الذهبي»، في الدورة 71 من مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي يبث عبر الأون لاين بدورة استثنائية، لا وجود للكمامات بشكل مباشر في المشاهد التصويرية، بإشارة إلى ما نتج عنه كوفيد 19، بخاصة أن هذه الأعمال تم إنتاجها في عام الجائحة التي ما زالت مستمرة، لكن ثمة قصصا توحي بتأثير تلك الجائحة بشكل أو بآخر، مثل الفيلم الألماني «أنا رجلك» للمخرجة ماريا شرايدر، وبطولة الممثل البريطاني دان ستيفنز (الذي يقوم بدور الروبوت توم)، والممثلة الألمانية ماري إيفرت (التي تقوم بدور ألمي).

الفيلم يحكي قصة ألمي التي توافق على العيش مع روبوت بشري الشكل، لمدة 3 أسابيع، وتقديم تجربتها كبحث اجتماعي، حسنا، هذا الموضوع من المؤكد أنه ليس بجديد، لكن وقعه مختلف هذه المرة لارتباطه بحالة الانعزال التي عاشها العالم كله بعد انتشار كوفيد 19، الفيلم لم يتحدث عن الفايروس أبدا، بل اكتفى بتصدير معنى الوحدة، من خلال ألمي التي فقدت جنينها ورحل عنها شريكها، وتعتني بوالدها الكبير بالسن المعتز بنفسه والرافض أي خدمة تقدم له، في المقابل هي تعمل في مركز للأبحاث، إذن أنت أمام نموذج لامرأة من الجميل تتبع تفاصيل حياتها.

منذ المشهد الأول الذي يكون في ملهى ليلي، تدخل ألمي بشكل لا يشبه رواد هذا الملهى، تجلس أمام توم، لن تدرك للحظة أنه روبوت، تبدأ بطرح أسئلة وهذه بعضها:

ماذا تعني الحياة؟

أن تجعل العالم مكانا أفضل

ما أصعب شيء ممكن أن تفكر فيه؟

الموت وحيدا

ليأتي بعدها مشهد رقصة البومبا التي ستجعلك تتعرف على توم الروبوت.

الفيلم مدته تقارب ساعة وبعض دقائق، من الممكن أن يكون فيه العديد من المشاهد والحوارات الزائدة، لكن إذا نظرت بشكل مغاير، هو فعلا يلقي ظلاله على رتم الحياة التي أصبحت في ظل كوفيد 19، حياة بطيئة مترقبة، خائفة، متمردة أحيانا، مشاعر متخبطة تلمسها بشخصية ألمي والتطور الدامي فيه، وهي تستضيف توم في منزلها، تحاول جاهدة أن تؤكد طوال الوقت أنها لن تنجرف بمشاعرها تجاهه، حتى لو كان من السهل الوقوع في حبه، فهو شخصية مثقفة، وسيم، كوميدي، والأهم قدرته على احتواء ألمي في لحظات غضبها وحزنها، مما يجعلك كمتلق تتورط في دعم هذا الشكل من العلاقة، وكأنك تقول لألمى إن تخوض التجربة، بخاصة أنها وحيدة جدا.

من الممكن أن عنصر الكوميديا في الفيلم متمثل بشخصية توم وهو كما تم تعريفه في الفيلم بريطاني، ومن الممكن أن ذكر هذه المعلومة كي لا يتم التدقيق بطريقة كلامه باللغة الألمانية، إضافة إلى أنه أجنبي الصنع، فكان لا بد من ذكر هذا التفصيل كي يكون كل شيء واضحا، كوضوح تطور العلاقة بين ألمي وبين الروبوت المتخم بالمشاعر، الذي ينقصه فعلا أن يشعر بها لا فقط أن يبثها.

الشخصيات الثانوية في الفيلم، كانت موجودة كي تضيف بعض الصخب في حضرة الرام البطيء، كمديرة توم في الملهى ومدير ألمي في العمل، وشريكها السابق، ووالدها وشقيقتها وابن شقيقتها الصغير، كل هؤلاء يدورون في فلك ألمي لكن لا أحد منهم استطاع أن ينقلها من وحدتها كما فعل توم، وحقيقةً أن أداء الممثلة ماري إيفرين اتسق بشكل متواز مع أداء مهم لدان ستيفنز، وكأن ثمة منافسة لتقديم الأداء الأفضل، ومن السهل التوقع المبكر لتنافسهما بشكل قوي على جائزة أفضل تمثيل.

ثمة حيلة في الفيلم، منذ المشهد الأول الذي من الصعب نسيانه، المتمثل بملهى يضج بالبشر والضحكات، والتقارب الاجتماعي، مشهد يبدو غير مألوف في زمن كورونا، وفي نفس الوقت يجعلك تدرك أن ثمة حياة كنت تعيشها وعليك أن تنتظرها، أما في ما يتعلق بفكرة الروبوت الذي سيعينك بوحدتك، فهو مخرج اختياري، يعيد فكرة التساؤل التي بدأها الفيلم، هل هذا بالفعل ما سيكون عليه شكل حياة الكثير مستقبلا؟ أم أنها فرصة لمراجعة حياتك مرة أخرى، التي تم توظيفها من خلال مشهد مهم، حين كان توم في المقهى يستمع لضحكات صاخبة لفريقين ينظران إلى فيديوهات، ويتساءل عن سبب كل هذا الضحك، لتكون الإجابة عبر لقطات أرشيفية من تلك الفيديوهات حيث الناس يضحكون على آلام الآخرين، كطفل يتشقلب على رأسه ويسقط أرضا، مشهد يختصر الكثير من الحوارية التي حدثت في الفيلم.