أعلنت جمعية الأدب المهنية في حسابها على منصة (X)، عزمها تنظيم ورشة عمل عنوانها «مهارات كتابة المقال بإبداع» مدتها ثماني ساعات مقسمة على يومين، وفي إعلانها تعِد الجمعية المشترك بأنه «سيكتشف أسرار المقال المؤثر خلال ورشة واحدة». ليس هذا فحسب، بل إنه سيكون قادراً بعدها على الكتابة «بعقل ناقد وروحٍ مبتكرة»، ربما سيكون كذلك بعد الورشة الثانية!
ومع تقديري لجمعية الأدب والقائمين عليها، إلا أنني لم أقاوم رغبتي في التعليق على هذه الورشة. لقد شعرت بعد قراءة الإعلان بأن النوازل سوف تستمر على كتاب المقالات بعد اختلال المعايير التي أوجدها عصر السوشيال ميديا، ودخول كل من أراد إلى ساحة كتابة المقال، دون امتلاك أدنى مقومات كتابته كفن خاص من فنون الكتابة، لكن لم يكن في الحسبان أن تعلن جمعية أدبية مهنية أنها قادرة على جعل منتسب في دورة لساعات قليلة أن يكتشف أسرار المقال المؤثر في ورشة واحدة، بل وأن يكون بعدها كاتباً بعقل ناقد وروح مبتكرة، كما أشارت في إعلانها.
بعد أكثر من ثلاثة عقود من كتابة المقال الصحفي ما زلت أتهيب مقابلة القارئ بمقالي، أحترمه وأخشاه أشد الخشية، وأتعب في اختيار الفكرة اللائقة والقالب الكتابي المناسب لها، أقرأ كل يوم باجتهاد لعددٍ كبير من كتاب المقالات المحليين والعرب والأجانب في كل الشؤون، وفي كل يوم أتعلم شيئاً جديداً، وأكتسب معلومة أو مهارة إضافية في كيفية كتابة المقال، ولست وحدي من يفعل ذلك، بل حتى الكبار الذين طفقت شهرتهم الآفاق وأمضوا زمناً طويلاً في معاقرة كتابة المقال الصحفي. سمعت ذلك ـ على سبيل المثال ـ من الأستاذ الكبير سمير عطاالله، ومن الكاتب الشهير توماس فريدمان، وغيرهما من مشاهير الكتاب الذين قابلتهم، وكذلك قرأته في مذكرات كتاب عمالقة آخرين مثل مصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وأنيس منصور وغيرهم. وأجزم أن هذا ديدن بقية زملائي من الكتاب الذين ما زالوا حريصين على استمرار وتوثيق علاقتهم مع القارئ من خلال المقالات الصحفية.
كتابة المقال هي موهبة في الأساس، يشتغل عليها صاحبها بمثابرة واجتهاد، ويصقلها بالاطلاع والاستزادة والقراءة والقدرة على التحليل والاستنتاج، ومع الوقت يصبح له أسلوبه الخاص وبصمته الخاصة، بحيث يستطيع القارئ معرفة مقاله حتى لو لم يضع اسمه عليه، وهذه درجة عليا يحاول الكاتب المثابر أن يضعها هدفاً له حتى لو لم يصل إليها.
كاتب المقال لا تصنعه ورشة، بل يصنعه زمن من الاحتراق والاشتباك مع المعرفة والثقافة، ومحاولات مضنية لتفكيك شفرة قضايا المجتمع بكل تعقيداتها، والتعامل معها بوعي ومسؤولية يحترمها القارئ. إن الكلمات القليلة التي يطالعها القارئ في مقال لكاتب يحترم قارئه، لا تصل إليه إلا بعد وقت من القلق والنبض المتسارع، وكأنه يكتب مقالاً للمرة الأولى.
إنتاج كاتب مقال حقيقي ليس على طريقة خطوط الإنتاج في المصانع والورش. تأكدوا من ذلك أيها السيدات والسادة.