في وداع الكبار لا يكون الكلام مجرد حروف ولا تكون الذكريات عابرة؛ لأن بعض الأشخاص يرحلون عن مواقعهم الوظيفية، لكنهم يبقون راسخين بما صنعوه من أثر وما زرعوه من قيم. واليوم ونحن نكتب عن تقاعد الأستاذة عزة الحارثي فإننا لا نودع زميلة عمل فحسب بل نحتفي بقصة إنسانية ومهنية نادرة شكلت علامة مضيئة في مسيرة تعليم جدة.

عرفنا عزة الحارثي في إدارة الإعلام التربوي أختا قبل أن تكون زميلة ونموذجا في الوفاء قبل أن تكون مسؤولة. كانت نعم الأخت الصادقة الوفيّة المخلصة في عملها وفي علاقتها بزملائها، تؤمن أن العمل رسالة، وأن الجودة التزام أخلاقي لا يقبل التنازل. من صفاتها الراسخة أنها منجزة بطبعها، محبة للعمل، مجودة له لا ترضى بأنصاف الحلول ولا تؤمن بالتأجيل.. تعطيها الملف فتطمئن أنها ستخطط وتنظم وتنجز وتتميز.

ارتقت بالعمل الإعلامي التربوي وأسهمت بفكرها المختلف في تنظيم ملفات الإعلام وتطوير آلياته وتسريع التفاعل مع وسائل الإعلام. وعلى يديها تأتمت الملفات الصحفية وأصبحت أكثر احترافية ودقة. كانت حاضرة بفكرها وأدبها وأخلاقها في كل فعاليات وحفلات تعليم جدة.. صورة مشرقة للمؤسسة وصوتا مهنيا يعكس عمق التجربة ورقي الرسالة.

ونالت ثقة جميع مديري التعليم الذين عملت معهم، كما حظيت بثقة المساعدين، ومديري الإدارات، ورؤساء الأقسام؛ لأن الثقة معها لم تكن قرارا إداريا بل شعورا طبيعيا يولده الصدق والإتقان. كانت تتعامل مع الجميع بروح أخوية صادقة لا تفرق ولا تستثني، وتؤمن أن نجاح العمل لا يكتمل إلا حين يشعر الجميع بالاحترام والتقدير.

ولا يمكن الحديث عن عزة الحارثي دون التوقف عند منجزها الأبرز الذي أصبح حديث تعليم جدة ومجتمع جدة حين صنعت تجربة مختلفة وغير مسبوقة في مقر خدمة المستفيد، إذ إنه لم يكن مقرا عاديا لتقديم خدمة بل نموذجا إنسانيا متكاملا يقوم على الاحترام والاحتواء. خدمة تقدم طوال ساعات الدوام لجميع مراجعي الإدارة بكل حب وتنظيم مع تخصيص أماكن انتظار راقية حتى وصفت بأنها «انتظار بخمس نجوم»، وكتبت عنها وسائل الإعلام بوصفها تحولا حقيقيا في مفهوم خدمة المستفيد.

نحن اليوم لا نودع عزة الحارثي بل نخلدها في الذاكرة اسما وصفة وعملا وأثرا. ستبقى حاضرة في تفاصيل المكان وفي ذاكرة الإنجاز وفي وجدان من عملوا معها. سنظل نذكرها ونشكرها إلى أن ينتهي بنا الزمن.